عرض مشاركة واحدة
قديم Aug-25-2010, 09:34 AM   المشاركة21
المعلومات

ابراهيم محمد الفيومي
مشرف منتديات اليسير
أخصائي مكتبات ومعلومات
 
الصورة الرمزية ابراهيم محمد الفيومي

ابراهيم محمد الفيومي غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 31463
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: الأردن
المشاركات: 2,507
بمعدل : 0.41 يومياً


تعجب

أمة اقرأ .. لا تقرأ




أ.د. أحمد الشميمري

لست أول من قال هذه العبارة ولن أكون الأخير، فقد أصبحت مقولة شائعة ومثلاً دارجاً بين الأكاديميين والمثقفين، وصارت تتعدى معناها المباشر لتعكس حال من هو أولى بأن يتقن عملاً فلا يحسن إتقانه. والباعث على انتشار هذه العبارة هو المشهد الأليم لحال أمة لا يقرأ أبناؤها، ولا يحبون المطالعة، ويتذمرون من حمل الكتب، فضلاً عن تصفحها والاطلاع عليها. وقد أظهرت إحصائية منظمة التربية والثقافة والعلوم ''اليونسكو'' أن متوسط القراءة الحرة للطفل في الثقافة العامة في العالم العربي لا يتجاوز ست دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للطفل في العالم الغربي. كما أن نصيب مليون عربي من الكتب لا يتجاوز 30 كتاباً مقابل 584 كتاباً لكل مليون أوروبي، كما تشير الإحصائيات إلى أن معدل ما يقرأه الفرد العربي في السنة هو ربع صفحة مقابل 11 كتاباً للفرد الأمريكي وسبعة كتب للفرد البريطاني. ومن ضمن المفارقات بين العالم العربي والعالم الغربي، أن عالمنا العربي يصدر نحو 1650 كتاباً سنوياً، أما في دول الغرب, ولا سيما أمريكا وحدها, فإنها تصدر ما يقارب 85 ألف كتاب سنوياً.
هذه الإحصاءات العامة تنذر بأن مجتمع المعرفة المنشود لا يزال عزيز المنال. وأن الأمة التي لا تقرأ لن تستطيع أن تتلمس خلاصاً لأزماتها، وأن الدونية والتخلف مقترنة بالجهل وقلة الثقافة والاهتمام بالمعرفة. ولطالما نعت العرب حقاً بأنهم لا يقرأون، لكن ذلك لم يحرك ساكناً ولم يغير حالاً.
والأعذار لنا جاهزة والمبررات حاضرة تتعاظم حتى تصل إلى وهم نظرية المؤامرة بأن الساسة يريدون للشعوب أن تغرق في الجهالة كي تبقى كالقطيع سهلة الانقياد. والحقيقة أن المسؤولية في التغيير تشمل الجميع، فالأسرة لها دورها الكبير، والتعليم له أثره العظيم، والمجتمع له تأثيره البالغ، والدولة ومؤسساتها عليها العبء الأكبر. وفي هذه العجالة سأستعرض بعضاً من مشاهداتي للدور الذي تقوم به مؤسسات الدولة في الغرب لتشجيع القراءة والحفاظ على ثقافة الاطلاع وبناء المعرفة. فهناك توجد مكتبة عامة (أي حكومية) في كل حي وليس في كل مدينة، هذه المكتبة بمثابة محور المعرفة والتواصل, والخدمات مخصصة لأبناء الحي يستطيعون الوصول إليها مشياً على الأقدام. تحتوي المكتبة على شتى سبل التشويق للقراءة، وهي مرتبة بشكل بسيط ورحب وواضح, حيث يمكنك أن تتنقل بين الأقسام بكل سهولة, فهناك أركان مخصصة للأطفال مدعومة بألعاب وأدوات رسم ووسائل صوتية ومرئية، وركن آخر لآخر الإصدارات الحديثة، سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة. وفي المكتبة ذاتها تستطيع أن تجد الوسائل الطباعية والتحريرية والتصميم والتصوير المختلفة بأسعار رمزية مخفضة. وهناك ركن آخر لأرخص الكتب التي تباع بأسعار بسيطة، وفيها يتم الإعلان عن الكرنفال السنوي للكتاب حيث تتم المسابقات البسيطة المحفزة للقراءة للأطفال خصوصاً ثم للشباب. حيث يحصل كل من يقرأ ثلاثة كتب على جائزة، فتشمل الجوائز عدداً كبيراً من المستفيدين. ولا يمر أسبوع إلا وهناك نشاط للأطفال في المكتبة. وفي الغرب تهتم المدارس كثيراً بالتواصل مع مكتبة الحي, حيث لا تحرص المدرسة على تكديس الكتب لديها في بيئتها التعليمية لكنها تحيل الطلبة إلى المكتبة التي اعتادوا زيارتها المتكررة منذ الصغر. وهي محور الاتصال والخدمات الحكومية والأنشطة والفعاليات العامة. ومنها يستخرج المواطن والمقيم بطاقات المدينة التي تخوله استخدام أي مكتبة على نطاق الوطن.
لا شك أن هناك جهوداً مبذولة لإحياء الاهتمام بالقراءة مثل المشروع الوطني لتجديد الصلة بالكتاب ومحاولات وزارة الثقافة والأندية الأدبية المتعثرة ومبادرات الجامعات المتواضعة وغيرها من المشاريع، كما لا شك أن الإقبال على القراءة في السنوات القليلة الماضية بدأ يتحسن قياساً بالإقبال الكبير على معارض الكتاب والشراء المتزايد للكتب, إلا أن الجهود المبذولة حتى الآن لا تزال قاصرة عن تعزيز ثقافة القراءة، ومتواضعة أمام الحجم المطلوب لبناء ثقافة مستديمة، وعشوائية في ظل غياب خطة وطنية شاملة. ويأزم ذلك كله قلة الإنفاق العام على كل ما يمت للثقافة بصلة. ويكمن أحد أهم الأسباب أن المسؤولية منحصرة في جهات لا يمكن وحدها أن تقوم بهذا العمل الثقافي الجبار, ففي الغرب تقع على أمانة المدينة (البلديات) مسؤولية بناء المكتبات وتزويدها بالكتب وجميع التجهيزات المطلوبة في حين تسهم الجمعيات غير الربحية والمتبرعون وساكنو الحي بدعم برامجها المختلفة والتبرع للعمل فيها. وتقوم المؤسسات التعليمية بإثرائها بالمعلومات والمطبوعات الحديثة والوسائل المختلفة, كما تقوم كل وزارة بدورها الكبير نحو المساهمة الفاعلة في ترسيخ عادة القراءة, كما تقوم كل وزارة في الوطن بدورها الكبير نحو المساهمة الفاعلة في ترسيخ عادة القراءة والاطلاع لدى النشء. تبدأ تلك المساهمات ببناء المكتبات وملئها بالكتب مروراً بإجراء المسابقات والأنشطة والتوزيع المجاني للمطبوعات والكتب المعرفية المهمة وختاماً بالجوائز التقديرية والتشجيعية. وفوق ذلك كله تقوم وزارة التعليم بمنح معونات مالية لكل طالب, مخصصة لشراء الكتب المرجعية المناسبة لمرحلته العمرية. فوزارة التربية في فرنسا على سبيل المثال تمنح كل طالب بلا استثناء في المرحلة الإعدادية والثانوية كوبونات مالية بقيمة 75 يورو وذلك لشراء المراجع العلمية التي يطلبها المدرس. وعادة ما يراوح سعر الكتاب بين ثلاثة وخمسة يورو. وهو ما تقوم به وزارات التعليم في أكثر من دولة غربية بطرق مماثلة أو شبيهة. كما أن الدول هناك تغدق على دور النشر التي تركز على نشر الثقافة والإنتاج الوطني وتقدم لهم المعونات والامتيازات ودعم السعر كي تشجع على نشر والمعرفة وإتاحة الكتاب للجميع.
عندما تدخل المكتبة في الغرب تفاجأ بأنك في خلية نحل من المرتادين والأنشطة الاجتماعية والشبابية المختلفة التي تمتد من أندية القراءة في مجالات مختلفة إلى مجموعات النقاش، مروراً بالمؤلفين الشعبيين الذين تكمن مهمتهم في مساعدة من يريد أن يؤلف كتباً، فهم يقومون بتحويل أفكاره إلى صيغ سليمة وجمل صحيحة أشبه بتأليف جديد للكتاب بمقابل ثمن رمزي بسيط. وعندما تنوي الاستعارة تفاجأ أن المطلوب منك فقط هو العنوان البريدي حتى ولو كنت أجنبياً زائراً, والأعجب أنه لا يوجد عدد محدود للكتب التي تريد استعارتها فكل ما تستطيع حمله يمكنك استعارته ولمدة شهر كامل.
وعلى الرغم من تعدد مصادر التسلية الحديثة والألعاب الإلكترونية المشوقة والثورة المعلوماتية الرقمية والهيمنة الإلكترونية لشبكة الإنترنت, التي من المتوقع أن تصرف الشباب في الغرب عن القراءة, إلا أن المسوحات الإحصائية تثبت أمراً آخر, فقد ارتفعت نسبة مبيعات الكتب, خاصة تلك الموجهة للأطفال في الولايات المتحدة وأوروبا, ففي أمريكا على سبيل المثال زادت نسبة المبيعات للكتب الموجهة للأطفال بنسبة 8 في المائة خلال عامي 2007 و2008، كما ابتكرت دور النشر طرقاً عديدة للقراءة تتناسب مع الإقبال على شبكة الإنترنت والاتصال التفاعلي مثل الكتاب الإلكتروني والكتب التفاعلية والكتب المسموعة والكتب المرئية وغيرها من الطرق الحديثة المشوقة, التي تبعث وتحفز على القراءة والمطالعة.
أما المؤلف في الغرب فله احترامه وتقديره, وربما وصلت شهرة بعض المؤلفين شهرة كبار المشاهير، وتلتفت دور النشر إليه وتهتم بتوزيع كتبه بطريقة تسويقية منظمة تشمل حفلات التوقيع والدعاية والمؤتمرات الصحافية والمقابلات التلفزيونية والاستضافة الإذاعية. وحفلات خاصة بالمؤلفين وكاتب العام، وقبلها كاتب المدينة، ومسابقة المدينة، ومسابقة المقاطعة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات في نفس مجال وموضوع الكتاب، وقد تصل جوائز الكتاب الواحد لأكثر من خمس جوائز من جهات متعددة.
هذه بعض الحقائق التي تفسر لنا معاني الاستعجاب عندما نشاهد الغربي يقرأ في القطار، ويقرأ عند انتظار الحافلة العامة، ويقرأ عند صفوف انتظار الطبيب، ويقرأ في المنتجعات، ويقرأ أمام النهر، فضلاً عن القراءة المستديمة في البيت، فلغرفة الجلوس قراءة، وللشرفة قراءة، ولغرفة النوم قراءة أخرى، ونحن ننعم بالجهالة في سبات عميق.


الرابط
http://www.aleqt.com/2010/08/24/article_433370.html












التوقيع
إن الكل يموت ويذهب صداه
الا الكاتب يموت وصوته حي
  رد مع اقتباس