عرض مشاركة واحدة
قديم Feb-28-2008, 07:11 AM   المشاركة5
المعلومات

عبدالكريم بجاجة
خبير في علم الأرشيف - أبوظبي
الإمارات العربية المتحدة

عبدالكريم بجاجة غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 19513
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: الإمارات
المشاركات: 724
بمعدل : 0.11 يومياً


افتراضي مجلة "كوما" COMMA 2003-1

شكرًا للأخت هدى العراقية على شعورها النبيلة.
لنواصل تقديم مجلة "كوما" بالعدد الخاص بالثقافات الأهلية: "أرشيف الشعوب الأهلية، التاريخ و التقاليد الشفهية".

البحث عن الثقافات الأهلية

Verne Harris, Adrian Cunningham
Translation in Arabic: Abdelkrim Badjadja

تعريب النص:عبد الكريم بجاجة
ُ
تشكل هوية الشعوب الأهلية وحقوقها انشغالا أساسيا في الخطاب العام والسياسات الوطنية، وهذه الحقيقة نعيشها في البلدان التي ننتمي إليها: أستراليا وإفريقيا الجنوبية.
تعامل الاستعمار طوال عدة قرون بالسوء مع الشعوب الأهلية في البلدين، هدد الشعوب وهدد ثقافاتها. في نهاية القرن العشرين شجعت الديمقراطية محاولات إعادة الاعتبار لهذه الثقافات وتكريس المصالحة؛ فكانت عدة مبادرات على المستوى الدولي تركز كل الطاقات لرفع القضية فوق القومية؛ و مثالها:
- سجلت منظمة الأمم المتحدة قضية الاعتراف والتقنين لحقوق الشعوب الأهلية لمدة طويلة في جداول أعمالها؛
- كما بادرت المنظمة الدولية لحقوق المؤلف بخطوات نحو الحماية القانونية للثقافات التقليدية؛
- وفي إفريقيا يشترط "الانبعاث"، والإستراتيجيات السياسية والاقتصادية المرتبطة به، إعادة اكتشاف المعرفة الأهلية.
المهم في هذا السياق حسب نظرنا هو إلزامية الرؤية الجديدة وإعادة الاعتبار والاحترام. إن الشعوب الأهلية وثقافاتها دمرت وسحقت من قبل البلدان الكبرى. ويجب أن تكون الخطوة الأولى في اتجاه إعادة الاعتبار خطوة إلى الوراء للتأمل الضروري قبل الرؤية الاحترامية.
لذا يمكن أن نعد من أهداف هذا العدد من مجلة "-COMMAكوما" إلتفاتة لإلزامية الاحترام، و كانت النية منذ البداية منح فضاء للثقافات الأهلية من ضمن الخطابات السائدة حول الأرشيف. إن مسئوولي المجلة فضلوا التخلي في هذا العدد عن المفهوم المهني للأرشيف لكي لا تقصى المقالات المنتجة خارج النطاق الرسمي أي خارج الخطاب السائد.
تم اختيار مصطلح "الشعوب الأهلية" ليعبر عن الجماعات "مجموعات – طوائف – مجتمعات" التي تعرف نفسها بهذه الصفة والتي تواجه أو واجهت الإفقاد والتهميش المفروض عليها من قبل قوى وهياكل، وأشخاص وافدين من "الخارج".
لقد طلبنا أن تتناول المساهمات لهذا العدد من المجلة المسائل التالية:
- ما هو مفهوم مصطلح "الأرشيف" لدى الشعوب الأهلية؛
- العلاقات الإشكالية بين الثقافات الشفهية والمفاهيم "الوسطية الأوروبية" للأرشيف التي تفضل الماضي والوثيقة المكتوبة؛
- من يراقب الماضي وما هي أدوار الأشكال التوثيقية ومنابع الذاكرة؛
- الدور الذي يمكن أن يلعبه الأرشيف في تعويض الطغيان الذي عانت منه الشعوب الأهلية؛
- نوعية البرهان في النظام القانوني الأهلي وانعكاسه عن الأرشيف والأرشفة؛
- حقوق الملكية الفكرية والثقافية؛
- الإستراتيجيات الأرشيفية المطبقة لإدماج خصوصيات السكان الأصليين في ميادين القصة والسرية، والملكية الثقافية ومراقبة حق الإطلاع؛ ليتمكن حذف أو تخفيض الحواجز الناجمة عن الأنظمة القانونية، والأخلاقيات المهنية "الوسطية الأوروبية"؛
- الإستراتيجيات التي يجب تحضيرها لكي يتمكن الأرشيف من إعادة ابتكاره لإدماج الانشغالات والقيم والآفاق الأهلية؛
- كيف يمكن جمع المعلومات عن الشعوب الأهلية بمبادرة من أنفسهم ومن أشخاص خارجين عن مجتمعهم؟
- الإستراتيجيات التي يمكن تطويرها لتحسين المشاركة الأهلية في الإدارة وفي سلك الموظفين، وفي تحضير القوانين والإجراءات الخاصة بالمؤسسات الأرشيفية؛
- دور الأرشيف – بصفته مكان الحكم – كوسيط لكفاح ومقاومة الشعوب الأهلية؛
- العلامات التي يشكلها الأرشيف، ووجباته في إعادة الاكتشاف وإعادة تركيب الهوية المسروقة.
حاول المحررون لهذه المجلة الحصول على المساهمات من طرف أي شخص خبير في الميادين المذكورة أعلاه، خاصة من طرف الذين يعتبرون أنفسهم من الأهالي. لقد اقترحوا استقبال أي نصوص قصيرة، وروايات شخصية، ومساهمات أخرى إضافة إلى المقالات العلمية. كما شجعوا استعمال وإدخال الوسائل غير المكتوبة.
إن الهدف من هذه العملية هو إدماج كل الناس. حقاً يمكن أن تكون هذه المبادرة والمنهجية محل الانتقاد من عدة جوانب. لمن نتحدث: إلى الأهلي مع كل ما تحمله هذه العبارة - موضوع نزاع – من تعقيد وغموض. من السهل إرسال نداء ولكن من الصعب إيجاد من يتمكن بالجواب عنه.
تجمع القواميس الأكثر استخداما على تفسير كلمة "الأهلي" بربط مكان المصدر مع الشعور بالانتماء. فيعد أهليا كل من ينتسب أو ينتمي إلى مكان، مع الاعتقاد بأنه يفترض من الأهلي أن يكون أهلياً طبيعياً. وهنا يتبين المبدأ الذي يعترض عليه: من يحدد ما هو طبيعي وكيف يتم التحديد؟
لنأخذ إفريقيا الجنوبية مثلا. كثيراً ما تستعمل الشعارات مثل "ولكن هذه ثقافتي" أو "نحن أفارقة" كسلاح في غليان المناقشات العامة. هذه بعض الأمثلة: ارتفعت السنة الماضية أصوات احتجاج ضد التغطية الإعلامية لقضية اغتصاب الفتيات: "التحدث عن هذه الأمور ليس من ثقافتنا"، ونفس رد الفعل بعد وفاة شخصيات من إفريقيا الجنوبية ربما بسبب مرض السيدا (AIDS)، و هذا راجع إلى موجى من الأفكار المتصلة حول فيروس "HIV" والتي تقترح تبديل الحلول الغربية لهذا المرض بالمعارف الأهلية.
تعتبر الانتقادات الموجهة للقادات الأفارقة مضادة لإفريقيا من جهة أخرى، و الشيء نفسه إذا طلب من الزعماء التقليديين أن يكونوا حماة للقيم الديمقراطية، أو إذا انتقدت انعكاسات تطبيق النظام ال"لوبولا" خارج نطاقه التقليدي؛ وإذا استنكر أحد وفاة أطفال بغير جدوى ضحايا العلاقات المسارية، يوصف بعدم الإحساس الثقافي. قدم أرشيفي أبحاثه في ندوة "Pietermaritzburg" التي انعقدت السنة الماضية، حول الممارسة اللوطية في قبيلة "Sangomas-السنقوما"؛ فرد عليه بأن هذه الممارسات لم تنتمي إلى الثقافة الإفريقية - أنظر في هذا العدد من مجلة "كوما" تقرير Ruth Morgan حول هذا البحث- ولا داعي للذكر مرة أخرى بإنكار ظاهرة الممارسة اللوطية من قبل زمبابوي وتنزانية لكونها تعتبر تشويه ضد إفريقيا، و يمكن تمديد هذه القائمة، ولكن اكتفينا بتقديم بعض الأفكار الثابتة حول الثقافة ومجتمع إفريقيا الجنوبية.
يرتكز مفهوم الثقافة الأهلية على سلسلة من الاحتمالات، ونقدم أهمها وهي ثلاثة:
- أولاً، الاعتقاد بأنه يمكن أن نعيش في ثقافة وحيدة؛
- ثانياً، الاعتقاد بأنه يمكن أن توجد ثقافة بدائية "طبيعية" أساسا، غير قابلة للتأثير في المدى القصير وفي المدى المتوسط؛
- ثالثاً، الاعتقاد بأن كل ما ينتمي إلى الثقافة "الطبيعية" يجب أن لا يتعرض للنقد.
إن مفهوم "الثقافة" غير واضح و يستعمل في وصف أبعاد التجربة الإنسانية، من الاعتقادات الدينية والممارسات الاجتماعية إلى الثياب التي نلبسها والموسيقة التي نسمعها. لا يمكن لأحد أن ينجو من التأثيرات التي تخترق الحدود الجهوية والوطنية في عالم تسوده العولمة بسرعة. يتأثر كل واحد منا، حسب درجات مختلفة، من واقع ديناميكية العولمة وقيمها التي تصطدم مع تلك الثقافات المحلية و قيمها الخاصة. نحس أكثر من قبل بالضغوطات الممارسة من طرف ثقافات مختلفة وكثيراً ما تكون منافسة؛ فأصبحت هوياتنا مزيجا أكثر من ثياب مفصلة من قطعة واحدة.
وهكذا كان الحال حتى ما قبل العولمة وديناميكيتها مضطربة بحركة دائمة. فلم تكن الثقافة ثابتة، بل تطورت دائماً متأثرة بالضغوطات داخل الجماعات وبالتغيرات التي تمس المجتمعات الخارجة عنها. يعتقد عادة بأن التغيرات بدأت في إفريقيا مع الاستعمار رغم أن الباحثون برهنوا على الحيوية الثقافية في إفريقيا قبل الغزو الاستعماري. وهكذا مثلاً سلطوا الضوء على تطور المجتمع "الزولو" في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. تابع الباحثون تطور ممارسات ال "لوبولا" وما يعادلها في عدة مجتمعات.
إن انتقاد الثقافة موقف سليم وضروري لأي مجتمع. كما يعتبر أساسي الصراع بين ثقافة الشباب وثقافة الكبار لكي يتمكن الشباب من اكتساب النضج الجوهري للانتقال إلى سن الرشد. تمثل مقاومة "-AFRIKANERSالأفريكاينر" ضد الثقافات البيضاء المسيطرة جزءا هاما من الكفاح ضد العنصرية. وفي نفس السياق يعتبر التفكير حول الشعائر والممارسات ما قبل الاستعمار حاسما لكي تتمكن المجتمعات من مجابهة الحقائق المتحولة. لنأخذ قبيلة "-Kgotlaقتلة" نموذجا. دون الوقوع في الحائز الساذج الذي يصف المجتمعات الإفريقية ما قبل الاستعمار "كمجتمعات غير ديمقراطية"، فيجب تحليل ظاهرة التهميش الذي مس النساء والشباب في الحلاقات القديمة "Tswana-تسوانا" أين كانت تؤخذ القرارات. ما هو الموقع الذي يجب أن تشغله هذه الحلاقات في إفريقيا الجنوبية وهي في طريق الديمقراطية؟ كيف يمكن تشجيع هذه الساحات لتفتح مجالها إلى مشاركة أوسع؟
نحن ندرك بأنه يمكن أن ينظر إلى أفكارنا كمحاولة للتقليل من قيمة المعرفة الأهلية بل حتى من وجودها، و هذا ليس من نيتنا؛ فنتساءل: هل يمكن لهذه المعارف البدائية أن تستمر في المدى الطويل؟ ونمتنع من التميز بين "المعارف البدائية" و"المعارف الخارجية"، ولو وضفت هذه "أوروبية" أو "غربية" أو "شاملة" أو بأشياء أخرى. نريد الذهاب إلى أبعد من ذلك بالقول بوضوح: إنه يجب دائماً تحديد ً مفهوم "الثقافة الأهلية" نسبيا.
يؤجل البحث العلمي وباستمرار حدود معرفتنا للمجتمعات والشعوب ما قبل الاستعمار، و يفرض علينا إعادة السؤال: ليس "هذا أهلي"؟ بل "لأي درجة هذا أهلي؟". يصل بنا هذا الاعتقاد إلى التساؤل: كم هي المدة التي يجب أن تبقى فيها المعرفة متأصلة في نفس المكان لكي تصبح "أهلية"؟ مثال: إلى أي درجة يمكن وصف المعرفة المغروسة في ناحية "الكاب" بمعرفة أهلية رغم أنها منقولة إلى إفريقيا الجنوبية من طرف العبيد الذين أتو من الشرق؟
نعتقد أن المفهوم الساذج للمعرفة الأهلية ساهم في تهميشها، وتعريفها ب "الغير" بالنسبة للثقافات المسيطرة يؤديها إلى التهميش، وهذا يفقر الخطاب العام السائد بحرمانه من سلسلة المواضيع من الطب إلى التراث، ومن الأرشيف إلى التطور "التنظيمي". إذا أصبح حتميا فقدان ثروة الاختلاف في طريقة التفكير والمهارة، يجب علينا إيجاد وسائل لكي تنفتح المعارف السائدة إلى التنوع والتعقد الثقافي والتهجين.
تكون نقطة الانطلاق عملية إزالة المخاتلة على المعرفة الأهلية كما أسلفنا، و يجب علينا أن نؤكد بأن أقدمية ومصدر المعرفة الأهلية ليس لها أهمية كبيرة. أهم شيء هو الترسخ في نفس المكان، وقدرة المعرفة في التوافق بذكاء مع الحقائق المتحولة. يجب أيضاً التركيز على إدماج المعارف من طرف الخطاب السائد بطريقة تفاعلية بدون الخوف من الانتقاد، و يلزم علينا التطرق إلى انعكاسات السلطة والتهميش المتحيز لكل ما هو ضعيف ومنعزل، ولكن دون إسقاط ال"إبداعية" في كل ما يعتبر أهليا وجعله حينئذ فوق أي نقد.

المساهمات:
تكمن إحدى وسائل إزالة المخاتلة على "الأهلي" حسب رأينا في دراسة المراحل المختلفة التي ميزت الكفاح والمعرفة الأهلية، لتندرج الدراسة في بعد المقارنة.
يجمع هذا العدد من مجلة "كوما" عشر مساهمات صادرة عن قارات مختلفة، و يمكن أن يعتبر عالم الأرشيف بديناميكية القوية وفرضه الأسبقية للكتابة على الشفهي، غير قابل للحوار بين المجتمعات الأوروبية المستعمرة والمجتمعات الأهلية. بينما تسلطت المجتمعات الاستعمارية على السكان الأهاليين، تابع الأرشيف نفس السياق واستولى على السكان وثقافتهم ليجعلهم عديمي الشخصية. انتقدت الشعوب الأهلية السيطرة السياسية المفروضة عليهم طالبتاً نوعا من الاستقلالية، وفي نفس الوقت عارضت الخضوع في ميدان الأرشيف لتبحث عن ثقافتها وتحدد هويتها من جديد.
أصبح الأرشيف ميدان الاحتجاج للمعرفة المهنية و"الوسطية الأوروبية".يأخذ هذا المسار أشكالا مختلفة حسب الأوساط، ولكن يوجد شيء يوحد كل هذه التجارب: لم يعتبر المفهوم المألوف للأرشيف مكتسبا في تلك المجتمعات. يجب على المجتمعات والأرشيفيين أن يتفطنوا لهذه الدروس، وليس هذا واجب الأرشيفيين وحدهم، الذين يعملون في الميادين المذكورة في هذا العدد من مجلة "كوما". هذا تحد لعالم الأرشيف، الذي يمكنه أن يستفيد من الحوار مع الأهالي.
لنبدأ اكتشاف هذا التحدي بتجربة كندية.Robin و Julian Ridington يوصفان نوع من أرشيف الأهالي خارج عن العادة. يمثل هذا الرصيد أربعين سنة من التعاون بين أمة "/Dane-zaa دان-زاع" من كولومبيا البريطانية وأشخاص أجانب، كان الهدف من هذا التعاون ضبط لفائدة الأجيال القادمة، الثقافة الشفهية والقصص والأغاني والرقص والتأبين، هذا في شكل التسجيل السمعي-البصري والصور، ثم تشجيع استعمالهم من قبل المجموعة.
بينت هذه الوثائق السمعية – البصرية المتعلقة بتجربة "دان-زاع" التغيير الثقافي الأساسي الحاصل في أكثر من جيل؛ لذا أصبحت هذه الوثائق عنصرا مركزيا في التجربة الثقافية لأمة "دان-زاع"؛ لأن الأرشيف المتراكم يسمح لها بالرجوع إلى ثقافة الأجيال السابقة.
إن هذا الرصيد الأرشيفي لأمة "دان-زاع" يربط بطريقة ناجحة التقنيات الغربية للتوثيق والثقافة الشفهية للأهالي.
وصف المؤلفون هذا النجاح المعتبر وفي نفس الوقت درسوا المسائل الأخلاقية والمنهجية والفكرية المتصلة بهذه التجربة. كيف يمكن مناقشة وضع نظام مشترك لملكية هذا النوع من الأرشيف ومراقبته وفرزه؟ ما هو دور الإتنوغرافي / الأرشيفي – بصفته شخصا خارجا عن المجموعة – لما يتدخل ويشارك ويصنع ويحقق التسجيل؟ بينما تثير هذه المسائل حوارات وخلافات، إن النموذج "دان-زاع" يقدم بديلا مهما للمعالجة العادية للأرشيف العرقي – الفلكلوري والسمعي. لقد بادر Alan Lomax في مكتبة الكونغرس الأمريكي بإرسال كل التسجيلات التي تمت في الميدان بعيداً عن أصحابها الحقيقيين (وأصبحت التسجيلات خارج الاستفادة من طرفهم وخارج مراقبتهم).
درس بعض المؤلفون الأفارقة قضية الأرشيف الشفهي بالتفصيل. يذكرنا "Phaswane Mpe" من إفريقيا الجنوبية بأن كل تسجيل له أكثر من منتج، ويحكي أكثر من قصة، و ينجز نظام الأرشفة وثائق جديدة، وحكايات جديدة؛ يصف المؤلف دور الأرشيفيين وهوياتهم ومسؤولياتهم و جدول أعمالهم بحوار متعدد الأصوات ومفتوح دائماً.
إلى أي جمهور يتوجه الأرشيفيون وما هي حقوق الجمهور؟ يسجل المؤلف بأن "القصاصين" يشكلون جزءا من هذا الجمهور، ويضيف التوصية التالية: يجب أن تعترف الأخلاقية الأرشيفية بأن الحصول على الوثائق هو أكثر من عمل مادي؛ كما يجب على سياسة الاتصال أن تأخذ بعين الاعتبار الاقتناع العاطفي والفكري.
تحدثت السيدة Ruth Morgan من جهتها عن مشروع "جمعية أرشيف الشواذ لإفريقيا الجنوبية (GALA)". تطمح هذه الجمعية إلى إنشاء أرشيف شفهي يكون محوره الحكاية الشخصية ل"السنقوما-"Sangomas من نفس الجنس (الأطباء التقليديين). كان الهدف المحدد هو تسجيل هذه التجارب التي كانت مهمشة في النظام العنصري السابق، والتي ما تزال مهمشة من قبل الحركة السائدة للأرشيف الشفهي. أكثر من ربط بسيط بين الشفهي والمسجل، يدمج هذا المشروع بين المادي والروحي. يتعين للسيدة Ruth Morgan بأن "السنقوما" ذو الهوية المتحولة هم أنفسهم "أرشيف شفهي" سلس وحيوي.
لذا تمحور التناقض بالنسبة لجمعية "GALA" حول كيفية ضبط السيولة في وثيقة ثابتة. ما هو التسجيل وهل هو حالي دائماً حسب عبارات السيدة Sue McKemmish والسيد Frank Upward؟
باشرت جمعية "GALA" بالجواب حول هذا التناقض بمتابعة إستراتيجيات غير مبتذلة للتوثيق، مرتكزة على التزام أعضاء الجمعية لتحقيق برامج التوثيق بطريقة غير رسمية.
تصدت السيدة Shadrack Katuu (الكينيا والبتسوانة) إلى مشكلة غياب الأرشيف الشفهي من الخطاب الأرشيفي. تنتج المادة الأرشيفية السائدة، من أصل غربي، خطاب منطقي وحديث وإيجابيي. كيف يمكن للأرشيفيين الأهالي المهمشين في هذا الخطاب أن يندمجوا فيه ثم ينتقدونه؟
يجيب المؤلف بأنه مطلوب مبدئيا من الأفارقة والشعوب الأهلية الأخرى أن يطلعوا ويتعارف بعضهم إلى البعض. يجب أن المعرفة الذاتية والثقة في النفس تقود مسار الاحتجاج دون أن تخفى من قبل اليقين المتعجرف للأجنبي. يتطلب هذا المسار إعادة النظر في برامج تكوين الأرشيفيين في المجتمعات الأهلية.
ينتج من هذه العملية- إذا نجحت- خطاب أرشيفي ثري ومتفتح وتعددي وحديث. أمام التقاليد الشفهية لمجتمعاتهم لم يبق أي اختيار لأرشيفيين الاهالي ما عدا رفع التحدي لإيجاد سطح أكثر دلالة بين الشفهية والأرشيف. يمكن أن تعطي عملية إدخال الجانب الشفهي في الأرشيف قدرة للأهالي تمكنهم من مقاومة الهيمنة الثقافية والعصرية للغربيين.
إن توثيق التاريخ الشفهي يعيد مكانة الأرشيفي في عالم التوثيق، ويمكنه من لعب دور حيوي بدلاً من أن يكون حفار قبور. فماذا يمكن أن يقال عن الأصالة والموضوعية؟ يجيب Katuu عن هذا السؤال بأن الأرشيف الشفهي لم يكن أقل صياغة من الأرشيف المكتوب. يلزمنا إلى إعادة النظر وإلى التردد في إحدى البديهيات للخطاب الأرشيفي: الأصالة. لماذا هذا التأكيد والخطاب المضاد حول الأصالة؟
حين نتجه إلى المحيط الهادئ الجنوبي نجد Tracy Jacobs و Sandra Falconerيصفون جهود الأرشيف الوطني بنيوزيلندا في استقبال وتشجيع الثقافة المزدوجة المهاجرين / المايوري (Maoris) طبقاً لإجراءات معاهدة "Waitangi". تعطي هذه المعاهدة - والتي تحفظ منها النسخة الأصلية في أرشيف نيوزلندا – إلى المايوري الحق في ملكية ومراقبة "كنوزهم" الملموسة وغير الملموسة، بما فيها المعرفة المايورية الحالية في الأرشيف. لقد تجسدت نقطة التقارب في الحوار الذي جمع بين المجموعات المايورية والموظفين الأهليين في الأرشيف، وبالنسبة لهؤلاء إنشاء شبكة للمساندة.
أثارت هذه الآلية عدة أسئلة كما أعطت عدة أجوبة. كيف يمكن تعيين معرفة المايوري بين "آلديسة" المتمثلة في الأرشيف الوطني؟ ماذا يعني بالضبط الرقابة والملكية لهذه المعرفة، وكيف يمكنها أن تمارس؟ ماذا يجب تغييره من النظام القانوني، ومن المبادئ الأرشيفية الموروثة من الغربيين؟ إذا اعتقدنا بأن الحفظ وحق الإطلاع أصبحتا من المسائل الهامة في هذه الظروف، ماذا يمكن أن يقال عن إنتاج الملفات وتقييمهم؟ ما هي الإجراءات المناسبة لإنتاج ملفات تتراوح بين ضرورة الفعالية المالية والإدارية، والملكية البلدية والإحساس الثقافي؟ يعتبر الجواب عن هذه الأسئلة تحدياً.إنه خبر طيب أن تطمح مؤسسة الأرشيف الوطني ومجموعة المايوري إلى حفظ هذه المعرفة الثمينة للأجيال القادمة. يتمنى المؤلفون أن يطور الأرشيف الوطني بنيوزيلندا منهج فعال وحساس لإدارة أرشيف مجتمع مزدوج الثقافات، وهذا بفضل الطموح المشترك والنية الحسنة المتواصلة، والتعاون العقلاني و البال الواسع.
وردت مجموعة المقالات الأخيرة من أستراليا. يلاحظ عدة مؤلفون بأن حيات الأهالي بأستراليا ضبطت إلى حد كبير من قبل الكنيسة والدولة. يتجسد أحسن وأشهر مثال لهذه الظاهرة في العادة المنتشرة التي تؤدي إلى إنتزاع الأطفال الأهالي من عائلاتهم لتتم تربيتهم في مؤسسات وعائلات أوروبية.
كانت تهدف هذه الممارسة- تحت غطاء مصلحة الأطفال- إلى انقطاعهم عن جذورهم وحرمانهم من هويتهم وبالتالي نزيف الثقافة الأهلية.
توجد الملفات المتعلقة "بالأجيال المسروقة" في عدة مراكز للأرشيف عبر أستراليا. تشكل هذه الملفات جزءا من الدلائل الموجودة حول هذه المحاولة للإبادة الثقافية، و تمثل أيضاً طريقا نحو إعادة الاعتبار والاسترجاع لضحايا "الجيل المسروق" الذين يريدون إعادة إدماجهم في الهوية الأهلية.
يؤكد السيد Dani Wickman بأن هذه العمليات كانت تعتبر عادية، وثانوية بالنسبة للموظفين البيض المكلفين بتطبيقها، رغم التأثير المؤقت الجماعي والشخصي لسياسات التهجير المفروضة على الشعوب الأهلية بأستراليا.
لذا لم تنتج العديد من الملفات حول هذه المرحلة من تاريخ أستراليا، والجزء الذي تم إنجازه ضاع، أو فقد في لا مبالاة. يبرهن عدم الاهتمام بحفظ هذه الملفات من موقف المجتمع الأبيض اتجاه أهالي استراليا، إذ يعتقد أن قيمة السكان الأهلي لا تساوي "البشر" بل أقل منه، و يكون مصير الأهالي الانقراض.
لا تحتاج العلاقات-حسب اعتقادهم- مع السكان الأهالي إلى إعداد أو حفظ أي نوع من الشهادات؛ وبالتالي حذف أي إمكانية المحاسبة، بينما هذه الإجراءات -إعداد وحفظ الملفات- كانت تعتبر عادية بالنسبة لمجموعات أخرى. أمام هذا الفراغ في التراث الأسترالي المكتوب، أدى وجود أشكال أخرى من الذاكرة الجماعية كالتاريخ الشفهي، بالحكومات والكنيسة إلى الاعتراف بهذه الكارثة والانطلاق في سبيل المصالحة.
غالباً ما ينظر الأشخاص المعنيون إلى الملفات الموجودة بإلتباس؛ لأنها تشكل علامة مؤلمة للصدمات والانشقاق، والوسيلة التي حرمتهم من هويتهم، وآلة الطغيان والضرر المرتكبة من طرف البيض. بعد التعبير عن هذا الانفعال، يمكن أن تصبح الملفات الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من إعادة العلاقة مع شعبهم وشبكة علاقاتهم.
يقدم كل منToon George Morgan, Alii, Anne-Marie Schwirtlich, Emma امثلة عملية حول مساهمة برامج الأرشيف في تسهيل إعادة العلاقات إذا أدمجت تلك البرامج في البعد الثقافي. تصيف Emma Toon إنشاء مجموعة عمل في سنة 2001 تحت اسم "Victorian Koorie Records Task Force". تجمع هذه المحاولة للتعاون بين الأرشيفين والأهالي والمسئولين الحكوميين والممثلين للكنيسة، بهدف تطوير السياسات المناسبة للحفظ والإطلاع والفهرسة والاستشارة الخاصة بملفات "الأجيال المسروقة" المحفوظة في مركز أرشيف محافظة فكتوريا.
حقا ان عمل هذه اللجنة تجاوز الاستشارة العادية والاقتراحات. يهدف هذا العمل على توفير دور حقيقي للأهالي في التخطيط وأخذ القرار؛ فيشمل مجال عمل اللجنة تلبية الحاجة إلى الاستشارة والدعم، و الإجراءات لتطوير الفهارس والإطلاع عليها، وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الثقافية وممارسة الشخصية، و الحصول على المعلومات المحفوظة في هذه الملفات.
من جهتهم تطرقوا Paul McPherson , Jim Stokes, Anne-Marie Schwirtlich
إلى موضوع رد فعل مؤسسة الأرشيف الوطني الأسترالي أمام ظاهرة "الأجيال المسروقة". أنجزت المؤسسة قاعدة بيانات تحتوي الملفات المعرفة باسم أهلي. انتجت هذه الملفات من طرف عدة وكالات حكومية ثم "دفنت" وسط مجموعات من الملفات المختلفة. حقق هذا العمل المكثف المتعلق بالفهرسة من قبل أعوان أهالي بتمويل من رصيد حكومي خاص، و تم هذا العمل حسب التوجيهات الصادرة من العديد من المجتمعات الأهلية. تمارس مراقبة شديدة في الحصول على قاعدة البيانات و هذا لحماية المعطيات الخصوصية والحساسية الثقافية.
أما George Morgan ركز جهوده على الملفات المتعلقة بإيجار السكن العمومي إلى الأهالي في منطقة " New South Wales-نيو ساوز والس".
يؤكد بأن هذه الملفات يمكن استغلالها لإعادة تشكيل المجموعات التي فرقها التبدد، رغم كل ما تحتويه الملفات من إفتزاز والمس بالمعنويات. يأخذ بعين الاعتبار المسائل الأخلاقية والمنهجية المرتبطة بالتسيير الأرشيفي لهذا النوع من الملفات. يختم مقاله مؤكداً بأن مركزية الحفظ والإطلاع يضمن المحافظة في المدى الطويل، والاستعمال الجيد للملفات.
يرجع المقال الأخير إلى عالم الأرشيف السمعي- البصري، حيث بدأنا فيه جولتنا الأرشيفية حول الأهالي القاطنين بكولومبيا البريطانية البعيدة. يقدم Wendy Borchers مشروع شيق حول "Australian Broadcasting Corporation" الذي يهدف إلى تعريف ومحافظة رصيده الثري بالصوت والصورة، لجعله مصدرا لمعرفة تاريخ وكفاحات الشعوب الأهلية في أستراليا.
حتى إن كانت غير مبنية حول مجموعة، وغير مركزة على جهة معينة، كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة "دان-زاع"، تسلط الضوء هذه الدراسة على غناء المعارف الأهلية التي تنتظر اكتشافها من قبل المؤسسات الأسترالية الكبرى.

أفكار ختامية
مقارنة بالتطلعات التي سطرناها لهذا العدد من مجلة "كوما"، يظهر بأن هدفنا لم يتحقق إلا جزئياً؛ لم نتمكن إلا من جمع عشر مقالات تستحق النشر رغم الجهود المبذولة.
فقد تعرضت محاولتنا للحصول على مقالات تقليدية للفشل، كما لم يرد على اقتراحنا لإدماج وثائق غير مكتوبة في هذا العدد، و يتبين في أغلبية المقالات أن صوت الأهالي غير مباشر، كما لاحظنا أن نصف الدراسات واردة من نفس البلد، وبقيت تجارب عدة بلدان وقارات غير متمثلة.
تعتبر محاولة وجود مخاطبين أهالي في هذا الميدان المعقد تحديا حقيقيا، وكنا على علم بهذا منذ البداية وأشرنا إليه سالفا، و يمكن انتقاد جهودنا، ولكن يبرهن هذا المشروع – بنقائصه – على تهميش القضية الأهلية في الخطابات السائدة.
نتمنى للأرشيفين عبر العالم أن يستلهموا من مقالات هذا العدد من المجلة، ويعيدوا النظر في اعتقاداتهم المهنية. كما برهنت عليه المقالات العشر في هذا العدد، فيمكن للأرشيف أن يلعب دورا أساسيا في تحضير الخطاب الممارس من قبل كل الأشخاص الذين يحترمون، ويسرون بوجود آراء ثقافية مختلفة، سواء بقبوله أو برفضه،و يمكن ً للأرشيف أن يوفر أداة مناسبة لإعادة اكتشاف الهوية الثقافية المضطهدة، و تعويض مظالم الماضي.
ولكن يجب على الأرشيفين أنفسهم أن يفكروا بطريقة أخرى، وأن يتخذوا إستراتيجيات حية لكي يصبح كل هذا من الممكن.


إذا ساعد موضوع هذا العدد من مجلة "كوما" بعض الأرشيفين في تبني موقف الأهالي، وفي تخصيص مكان للتراث الشفهي بجانب التراث الكتابي (بدلاً من أن يخضع له)، نشعر حينئذ بأننا حققنا هدفنا بصفتنا مسئولين التحرير.

فيرن هاريس، أدريان كوننغام
تعريب النص:عبدالكريم بجاجة
Verne Harris, Adrian Cunningham
Translation in Arabic: Abdelkrim Badjadja












  رد مع اقتباس