و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
و بعد،
في الحقيقة كنت على يقين أن الموضوع سينزل بسرعة في المنتدى نظرا لأهميته و حساسيته و اتصاله بمعظم الدول العربية لكونها استعمرت خلال القرون الماضية و تكبدت ويلات النهب بشتى أشكاله وفقدت الثروات و غيبت عنها الكثير من معالم تراثها و خاصة منها الأرشيف و لا شك أن كل دولة عربية غيورة على ممتلكاتها و حريصة على استرجاعها مهما كلفها الأمر.
و في حديثنا عن الوضعية في الجزائر فيمكننا أن نقول أنها قد سعت كثيرا منذ الاستقلال إلى استرجاع أرشيفها المحول إلى فرنسا قبيل الاستقلال و نجحت في الكثير من المبادرات فاسترجعت الأرشيف العثماني و جزءا من أرشيف الثورة الجزائرية و بعض السلاسل من الأرشيف الفني إلخ...
و لكن الجزائر تعتبر كذلك حالة خاصة باعتبار طول فترة استعمارها من طرف فرنسا و تأخر استقلالها بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، مما أدى إلى وجود أعداد هائلة من الوثائق محل النزاع و تمتلك الجزائر قوائم عديدة للأراشيف المحولة إلى فرنسا في السنتين الأخيرتين من الاستعمار و هي تطالب بإرجاع الأرشيف عن دراية.
و قد كثرت المناقشات بين الجزائر و فرنسا في هذا المجال حتى أصبح يسمى بالنزاع الأرشيفي الجزائري الفرنسي، و ما ذلك إلا لكون القضية ذات جوانب معقدة ذات طابع قانوني و فني و سياسي حيث لا يريد الجانب الفرنسي التخلي على الأرشيف لإدراكه لقيمته المعلوماتية و يدلي في ذلك بحجة هي في الحقيقة واهية و تتلخص في اعتبار أن هذا الأرشيف من إنتاج الإدارة الفرنسية و هي بالتالي ملكا للإدارة الفرنسية، متجاهلا بذلك مبدءا أرشيفيا كثيرا ما يدندن حوله الأرشيفيون الفرنسيون أنفسهم ألا و هو مبدأ إحترام إقليمية الأرصدة الأرشيفية أي أنه من الضروري أن تبقى الوثائق حيث أنتجت و رتبت و لا يجوز نقلها إلى أماكن أخرى على تفصيل يعرفه المتخصصون.
أما الجانب الجزائري فيتمسك بذات المبدئ حيث أن الأرشيف منتج على التراب الجزائري لأداء نشاطات إدارة شؤون بالجزائر من جهة و بكون الأرشيف يعتبر أداء عمل يسترشد به المسيرون و المدراء و الفنيون في أداء أعمالهم و اتخاذ قراراهم فلا ينبغي أن يبقى محبوسا في المخازن الفرنسية.
و لا يفوتني أن أذكر أن الجانب الفرنسي لم يرد التخلي على وصايته على الجزائر باحتجاجه بأن الجزائر تفتقر إلى مخازن أرشيف و إلى فنيين أرشيفيين للعناية بالأرصدة إذا تم تحويلها من فرنسا نحو الجزائر!
فهي جد متخوفة على الأرشيف الثمين طبعا فهلا وازنت و قدرت بحكمة و سلمت على الأقل الأرشيف الذي كان يمكن أن يساهم في إنقاذ أعدادا كبيرة جدا من مواطني الحدود الجزائرية الذين ماتو أو بترت منهم أعضاء بانفجار ألغام زرعت أثناء حرب التحرير الجزائرية و بسبب غياب الملفات الدالة على أماكن و نقاط زرعها لم تتمكن دولة الجزائر من التخلص منها جميعا.
وحسب بعض الأرقام هناك حوالي 3 ملايين لغم ضد الأشخاص، من مجموع 11 مليون زرعوا من طرف الجيش الاستعماري، مازالت مزروعة عبر الحدود الشرقية والغربية الجزائرية، و بقيت السلطات الفرنسية ترفض الاستجابة لمطلب الجزائر الداعي إلى تسليمها خرائط انتشار هذه الألغام؛ و لم تسلمها إلا مؤخرا أي قرابة خمسين سنة بعد الاستقلال في شهر أكتوبر 2007.
و قد قال خبراء وشخصيات سياسية جزائرية أن هناك بحوزة فرنسا خرائط ووثائق أخرى تحتاجها الجزائر مثل ملف التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، وأماكن التلوث، إلى جانب أرشيف الجزائر قبل الاستعمار...
- فهل مازالت الجزائر تفتقر إلى المخازن الأرشيفية و هي تزخر ببناية ضخمة حديثة و واسعة المخازن (70 ألف كلم خطي) و متعددة المرافق و حديثة التجهيزات بما يضمن أحسن الظروف للأرشيف؟
- أم أنها مازالت تفتقر إلى الموارد البشرية الكفؤة و القادرة على تحمل مسؤولية حماية الأرشيف، و قد تخرج المئات من الأرشيفيين الجامعيين و يشغلون مناصب تؤهلهم للتأطير الممتاز للأرشيف ككل؟ لا بل هذه حجج فقط!!!
و ليست فرنسا هي الوحيدة التي تمسك أرشيف جزائري بل هناك أعدادا كبيرة جدا في غيرها من البلاد و من أراد الاطلاع فعليه بما كتبه الأستاذ الخبير السيد عبد الكريم بجاجة تحت عنوان "نتائج الملتقى الدولي حول الأرشيف الخاص بتاريخ الجزائر و المحفوظ بالخارج" على الابط التالي :
http://membres.lycos.fr/badjadja/art...e/moltaqua.htm
هذا ما جادت به ذاكرتي مما قرأته منذ سنوات و اطلعت عليه في الصحافة منذ فترة من جهة و كذلك ما علق بذهني من النقاشات التي دارت مع أساتذتي مثل السيد عبد الكريم بجاجة و السيد صوفي فؤاد و السيد حاشي عمر الذين عايشوا الأحداث أكثر و كانوا طرفا في بعض حلقاتها، أرجو أن يدلوا بآرائهم و مشاركاتهم المفيدة في هذا المنتدى.
و لعلني ساحضر غضافة في الأيام القادمة إذا وفقنا الله.