[ابراهيم محمد الفيومي]

القدس في المعرض الدولي للكتاب التونسي
بقلم : مهند عبد الحميد
... اقتربت مني سيدة منفرجة الأسارير يكتنفها شيء من الحذر، طلبت مني السماح لطفلتها بالسلام عليّ بناء على رغبة الأخيرة بالسلام على فلسطيني قادم من فلسطين، نظرت إلى الطفلة وقد جرفتني العواطف فتحت ذراعي واحتضنتها، انهمرت دموعي واغرورقت عيون الطفلة بالدموع، كم كان المشهد حميمياً.
توافدوا بلا انقطاع على جناح فلسطين، أخذوا مواقع لهم قرب علم فلسطين وكوفيتها والمطرزات وصور القدس وصخرتها ومساجدها وكنائسها وصور محمود درويش، وبدأوا يلتقطون الصور التذكارية، ويستمعون للحكاية الفلسطينية. تتكرر المشاهد ويتواصل حوار مفعم بالحميمية والتضامن، البعض ينفعل ويعبر عن مشاعره بانثيال الدموع، والبعض الاخر يبدي استعداده للذهاب الى فلسطين من أجل تعزيز صمودها. والبعض يشتري الكتب ليس فقط من أجل المعرفة بل يعتبر ذلك نوعاً من التضامن، وأحياناً يزود ثمن الكتاب دعماً لشعب فلسطين.
قالت سيدة متقدمة في السن ببراءة لا تخلو من مغزى "نحن نعلم أن القانون يسمح عندكم بتعدد الزوجات فلماذا لا تكثرون الزواج من تونسيات وعربيات حتى يتضاعف عدد الفلسطينيين وتستطيعون الخلاص من الاحتلال". كان لافتاً للنظر مبادرة طفلة تونسية بالرقص على أنغام زهرة المدائن، كانت تعطي كل مقطع ما يناسبه من حركات بما في ذلك نوع من المارش العسكري، وبعد ان انتهت من الرقص فوجئت الطفلة بتصفيق الحضور الذي نم عن الاعجاب بتلك الطفلة الجميلة الرشيقة. قال والد الطفلة إن ما قامت به طفلته تدربت عليه في المسرح المدرسي وهو جزء من المقرر التونسي. صبية أخرى أغمي عليها وهي تسمح شرحاً عن واقع مدينة القدس. وانتشر الخبر في المعرض وتلقفته الصحافة التي تحدثت عن دموع التونسيين وحبهم لفلسطين.
وكان وزير الثقافة التونسي عبد الرؤوف الباسطي بتكليف من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد افتتح الدورة 27 لمعرض تونس الدولي للكتاب من 24 نيسان إلى 3 أيار 2009، بمشاركة 1064 دار نشر من مختلف أنحاء العالم بينها 95 دار نشر تونسية، وبلغ عدد الكتب التي تم تداولها في المعرض 110 آلاف كتاب منها 60 في المائة باللغة العربية. واشتملت الدورة على ثلاث ندوات دولية هي: الكتاب الالكتروني، والفن المسرحي ، والرواية العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين. وقدم المعرض لمسة وفاء تجاه أناس تركوا بصمات قوية ولعبوا دوراً مميزاً في نشر وطباعة الكتاب وفي تنشيط الحركة الثقافية العربية قبل أن يرحلوا وهم الناشر عبود عبود مؤسس دار الجيل، والكاتب اللبناني سهيل ادريس مؤسس دار الآداب اللبنانية، والناشر المصري محمد مدبولي مؤسس مكتبة مدبولي في القاهرة، إضافة للروائي السوداني الطيب صالح.
النشاط الثقافي في تونس يحتل الصدارة هذا العام، فقد أطلق الرئيس التونسي الحملة الوطنية الموسعة للكتاب والمطالعة التي تستمر ضمن عام كامل، وتحتفل تونس بالقيروان عاصمة للثقافة الإسلامية، وبمئوية ابو القاسم الشابي، وبمرور مائة عام على اعتلاء أول فرقة تونسية خشبة المسرح، والاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد الأديب التونسي علي الدوعاجي. وقد انعكس ذلك على المعرض الذي يؤمه أكثر من ربع مليون تونسي خلال أيام انعقاده.
النشاط المميز والجاذب في معرض الكتاب كان العروض (الفرجوية) المسرحية والتنشيطية كما يسمونها في تونس وورشات التدريب للاطفال. حضور الاطفال كبير ومميز وكان لهم حيزاً مهماً، وهذا مقياس تقدم تونس واي بلد اخر، ورشة للفنون السمعية والبصرية تضم الرسم والكتابة والحكاية والألعاب التنكرية والتنشيط الموسيقي، وفضاء الترغيب في المطالعة وسرد الحكاية الشعبية، وانجاز جدارية عملاقة بمساهمة الأطفال، إضافة للعروض الفنية كتقديم المسرحيات والالعاب البهلوانية وعروض موسيقى للاطفال وعرض أشرطة صور متحركة. اللافت للنظر كان المستوى الفني الرفيع للعروض، ومشاركة الاطفال الجماعية في الغناء والتمثيل، والفرح الذي عم الأطفال والكبار. الأطفال كانوا قوة دفع كبير للقدوم إلى المعرض ولجعله أكثر حيوية وبهجة.
الاهتمام بالمسرح لا يقتصر على الأطفال بل يمتد لمسرح الكبار الذي احتل مكانة أساسية في الندوات التي ضمت نجوماً من المسرح وأكاديميين أدلوا جميعا بدلوهم في التجربة وفي التجديد ولا سيما فن الارتجال.
القدس والقيروان توأمان تحتفلان بالثقافة وتؤلفان بين قلوب التونسيين والفلسطينيين، القدس لها يوم في المعرض لكنها ستحضر كل أيام المعرض كما قال بو بكر مدير المعرض. وقد حضرت القدس كضيف شرف في الدورة السابعة والعشرين للكتاب في نطاق احتفاء تونس بالقدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009. أرادت تونس أن يكون جناح فلسطين متميزاً فوضعت فلسطين في صدارة المعرض وأعطت مكاناً واسعاً لعرض الصور والمطرزات واللوحات التشكيلية، ومكاناً آخر لعرض الكتب الفلسطينية، ويوما للأمسيات واللقاء الفكري .
شارك في اللقاء الفكري الأكاديمي المقدسي د. نظمي الجعبة الذي تحدث عن الفن المعماري والابنية الساحرة النادرة التي لا تتكرر، المسجد والصخرة وكنيسة القيامة المتآخية المتعانقة في جدلية وحدة وتضامن. وأكد أن العمارة رمز من رموز الوجود الحضاري العربي الاسلامي، ولهذا السبب تدخل الاحتلال في معمار المدينة ومضى في تدمير بعض أحيائها وبخاصة حي المغاربة الذي سكنه المغاربة والأندلسيون. لقد تم تجريف هذه الحارة بكل مكوناتها، فقضوا على إرث 800 عام. وأضاف: كنت أعيش قرب المكان وكنا نشم رائحة الاكل ونرى الجلباب التونسي والمغربي والليبي. مدينة القدس لم تعتمد لوناً حضارياً واحداً بل كانت خزاناً للثقافات المتجانسة ولم تعرف الغيتو. وختم د. الجعبة: نحن أمام تحد هائل، تحدي قوة الاحتلال التي تملك القوة والامكانات، وقوة شعب يملك إرادة صمود دفاعاً عن حقوقه المشروعة وعلى وجوده كرمز لوجودكم .
وتحدث القاص والكاتب محمود شقير عن التباس الهوية الفلسطينية والمقدسية لدى العالم بفعل الاجراءات الاسرائيلية التي تشوش العلاقة بين الهوية والمواطنة، واستعرض فكرة قصصه النقدية الساخرة ( شاكيرا وكونداليزا) من الاحتلال ومن الوضع الفلسطيني. وكشف عن محاولته الرد على الحصار الاسرائيلي الذي يحاول عزل الشعب الفلسطيني باستقدام الخارج إليه عبر أهم الرموز ككوفي عنان ومايكل جاكسون وشاكيرا وبرجيت باردو... وقد احتفل المعرض بالكاتب شقير في حفلة توقيع كتابه "ظل آخر للمدينة".
الناقد وليد أبو بكر تحدث عن القدس كمدينة روائية، ولكن بسبب تركيبها البليغ يقف الكاتب وقفة خائفة، يراها أكبر من حجم موهبته، لذلك كانت القدس أقل المدن في الرواية الجادة. ويصل الى نتيجة أن أحداً لم يصل الان إلى مستوى القدس، رغم وجود محاولات جادة من نوع "الميراث" لسحر خليفة و"نجوم أريحا" لليانة بدر و"شامة في السماء" لجمال زكي القواسمة و"قلادة فينوس"؛ لاماني الجنيدي.
وكانت الامسية الشعرية جميلة بحضور الشاعر الكبير أحمد دحبور، الذي احتفل بحضوره وبشفائه تونسيون وفلسطينيون على حد سواء، وشارك الشاعر زكريا محمد والشاعر الاماراتي كريم معتوق، والشعراء التونسيون آدم فتحي والمنصف المزغني والصغير أولاد أحمد.
الرابط
http://www.al-ayyam.ps/znews/site/template/article.aspx?did=111126&Date=5/5/2009