[alsameer]

بعد مسودة غاصت عميقا في خضم التعاريف المرتبطة بوسائط الاتصالات الرقمية، عاد فريق وزارتي الإعلام والاتصالات إلى إطلاق محاولة جديدة لقوننة الإعلام الإلكتروني، بينما تنبئ مجريات الندوة التي أقيمت في هذا الصدد على هامش معرض المواقع الإلكترونية قبل أسابيع، بأن البحث ما زال يدور في فلك التعاريف.

المشكلة الافتراضية
أرخت البيئة الافتراضية لشبكة الإنترنت بظلالها على عملية البحث عن نواظم للعمل الإعلامي عبر الانترنت ليس في سورية فقط بل في العالم العربي كله، ففي بيئة لا ملمس لأدواتها ولا لخطوط إنتاجها أو توزيعها، كان من الطبيعي أن يحاول الفريق المشترك بين الإعلام والتقانة ابتكار طريقة يعيد من خلالها تشكيل معطيات البيئة الافتراضية «فيزيائيا» بما ينسجم مع الهدف في السيطرة على مفاهيمها كيما تتحقق القدرة على إخضاعها لنواظم محددة.
عند هذه النقطة غرق الجميع في أمواج المفاهيم غير الواضحة أصلا!!، إذ ما علينا سوى أن نتذكر بأن الشبكة العنكبوتية تزخر بالعوالم الافتراضية التي لا تسير وفق نواظم الواقع الذي نعرفه، هذا ناهيك عن أنها ما زالت تفتقر -حتى الآن- إلى تعريف نهائي وشامل لها، وذلك ليس بسبب انعدام قدرة المنظرين في هذا الجانب، وإنما لاتساعها الهائل المتبدل على المستويين الكمي والنوعي، مشفوعا بتطور سريع في التكنولوجيات المختلفة ذات العلاقة، بما في ذلك الاندماج المتصاعد بين وسائل الاتصال الرقمية.
عطفا على هذه المعطيات، يبدو أن القضية مرشحة للعودة بشكل قصري- في نهاية المطاف- إلى استنباط التعاريف البسيطة للإعلام الإلكتروني بالتوازي مع تضييق مروحة الأهداف، تمهيدا لتحليل العملية الإعلامية إلى عواملها الأولية: وسيلة اتصال جماهيري، نشر، ناشر، محرر، متلق.

الطريق الأسهل
باشتراط أن يتخذ الفريق قراراً بالعودة خطوة إلى الوراء، وتحييد الطريق الفني الطويل المعبد بأشواك وكيانات افتراضية كالمدونات والتعليقات في المواقع الخارجية ومواقع الربط الاجتماعي وغير ذلك... قد يتسنى لنا إلقاء نظرة متفحصة على قضية النشر الإلكتروني بالارتكاز إلى الكلمة الأولى: «النشر»، وذلك خدمة لتمكيننا من الإمساك بأطراف معادلة «النشر الإلكتروني» بالارتكاز إلى نواظم عملية «النشر التقليدي» المتضمنة في القوانين السورية، ومنها على وجه الخصوص قانونا «المطبوعات» و«العقوبات».
في الواقع نحن لم نسمع يوماً ما عن أن مخالفة ما لقوانين النشر التقليدي قد أفضت إلى اتهام الوسيلة الإعلامية أو أحد مكوناتها «المطبعة، البناء، الطرقات بينهما، القلم، الورقة، الكمبيوتر..»، وبذا، وبالاستناد إلى عناصر النشر التقليدي «رسالة، حامل، متلق»، يمكننا- بالقياس- تحييد وسيط «شبكة الاتصالات» كـ«حامل رسالة»، واستنساخ طريقة التعاطي القانوني مع الطرف التقليدي «المحرر، الناشر» المسؤول عن مضمون الرسالة.
ومن خلال نواظم العمل الإعلامي التقليدي، يدرك الناشر وصاحب الرسالة مسؤوليتيهما عن مضمون الرسالة بغض النظر عن وسيلة البث «تلفزيون، راديو، صحيفة..»، وبالنظر إلى فعالية هذه الآلية على أرض الواقع، يمكن لنا الارتكاز إليها في التعاطي مع الطرف المقابل في عملية النشر الإلكتروني «الشبكات عموماً بما فيها وسيط الإنترنت».
عند هذه النقطة، يطفو على السطح تعريف وشكل جديدان لـ«حارس البوابة» الذي يعد مسؤولا- في هذه الحالة- عما يمر من بوابته الإلكترونية.

من يرخص لمن؟
كيف يمكن تحديد ذلك المسؤول «الناشر، المحرر» أو ما اصطلحنا على تسميته «حارس البوابة الجديد»؟
في الحقيقة، يبدو من المفيد «أولا» تذكير القائمين على إصدار قانون للنشر الإلكتروني بالحدود الطبيعية التي يمكن لأي قانون تغطيتها، وبذلك يمكن لنا أن نستفيد من الحضور الفيزيائي لـ«حارس البوابة الجديد» ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية، باعتباره «صاحب مهنة» توجب ترخيصا على أن تتحدد مرجعية ذلك الترخيص بحسب مضمون الرسالة التي يبثها.
فكما لا يمكن لطبيب أن يزاول مهنة «الطب» دون موافقة وزارة الصحة، والتاجر للتجارة دون موافقة الاقتصاد.. كذلك لا يجدر بالصحفي ممارسة المهنة دون موافقة الوزارة المختصة.
ولأن الطبيب والتاجر «في العالم الواقعي» لا يمكنهما مداواة الناس أو ممارسة التجارة «بعيداً عن اقتصاد الظل» لاعتبارات الترخيص، كذلك لا يجدر بهما ممارسة أعمالهما تلك في العالم الافتراضي دون ذلك الترخيص، وإن فعلا، فثمة قوانين رادعة يتوافر عليها قانون العقوبات في الدولة.
الشرعية التي يكرسها ترخيص المهنة تعود بالفائدة الكبيرة على ممارسها، من حيث الحضور القانوني والثقة التي يسبغها ذلك الترخيص في مزاولة المهنة أيا كانت، وهذا يعد محفزا كافيا لإقدام أصحاب المهنة الإعلامية على التقدم للترخيص إذ إنه بغياب تلك الشرعية، يصبح المزاول خارجا على القانون وتنطبق عليه جميع النصوص في هذا الجانب.
لكن وبما أن ثمة ممارسين للمهن المختلفة دون ترخيص، فكذا يجب علينا القبول بحدود معينة من المخالفات في قطاع الإعلام، والتي تخضع «كمثيلاتها من المهن الأخرى» للقوانين المرعية.
وهنا يجدر اتخاذ مواقع التجارة الإلكترونية الأميركية نموذجاً قابلا للقياس، فزيادة عن ترخيصها كمهنة تجارية، تحظى تلك المواقع والمشترون برزمة من التسهيلات الضريبية «كضريبة القيمة المضافة» لدى بيع السلعة خارج حدود الولاية التي حصل الموقع على رخصة مهنته ضمنها، ما يدل على أولوية الترخيص المهني بحسب المرجعية ضمانا لتدفق الخدمة وفق ضوابط محددة، كما يدل على قبول حد معين من الثغرات، ومنها على سبيل المثال عجز القانون عن ضبط لجوء الزبائن إلى شراء السلع ضمن ولاية محددة من خارجها.

المسؤولية القانونية
لأن القانون لا يلاحق مرتكبي الجرائم ما لم تتوافر جهة مدعية «عامة أو خاصة»، فكذا يجب علينا أن نقبل بأن قانون الإعلام لا يمكنه ملاحقة الحالات التي لا تتوافر عليها تلك الجهة المدعية.
فلئن فهمنا الأمر بهذه الطريقة، فسيتاح لنا أن ندفع بعملية النشر الإلكتروني عبر بوابة من الحرية المفتوحة على مصراعيها، مع الاعتبار لتوافر «صمام أمان» تكرسه حقوق المتضرر من النشر وفق القوانين المرعية، وذلك بالاستناد إلى حضور «فيزيائي» لصاحب الترخيص «حارس البوابة الجديد»، أو المحرر المراسل انطلاقا من أراضي الدولة.
وببروز الجهة المدعية من جهة، وبحضور الجهة المدعى عليها، يمكن لنا أن نطبق قانون المطبوعات أو العقوبات- بحسب الحالة- كما ينص القانون السوري.
في هذا الجانب، يجدر التعريج سريعا على قضية المواقع التعريفية للفعاليات المختلفة «مصنع، شركة تجارية، جمعية أهلية..»، التي تستمد شرعية موقعها الإلكتروني –بطبيعة الحال كما في إصدار بروشور- من شرعية الترخيص الأساسي للفعالية.
وفيما لو تجاوزت مواقع الفعاليات عملية التعريف بذاتها إلى مزاولة نشاطات أخرى تجب الترخيص «مصنع يبدأ ببيع سلع إلكترونيا أو جمعية أهلية تبدأ بقبول الإعلانات على موقعها الإلكتروني، تداول الأخبار العامة...»، يجدر في تلك الحالة الحصول على الترخيص المطلوب بـ«النشاط الجديد»، بما يكرس خضوعها لأسس وعقوبات هذا الترخيص الجديد.

التعليقات
بالخروج من الأطر الافتراضية للقانون العتيد، وبالنظر إلى دور «حارس البوابة الجديد»، يسهل معالجة قضية التعليقات التي تعد أحد أبرز سمات الإعلام الإلكتروني.
فبالنظر إلى التشابه الكبير إلى حدود التطابق بين هذه «التعليقات»، وبين «رسالة إلى المحرر» التي تتلقاها مختلف وسائل الإعلام التقليدية.
واستطرادا لما يكتنف «رسالة إلى المحرر» في الوسائل الإعلامية التقليدية من التوازع الوضاح لمسؤولية نشرها، يمكننا استنساخ مسؤولية «حارس البوابة» عن نشر هذه «الرسالة/ التعليق» عبر الوسائل الإلكترونية.
التعاطي مع القضية من هذا الباب يمكن أن يحقق للقانون سيطرته الوطنية بالقدر الذي تحققه القوانين الأخرى لجهة المساحة الجغرافية الممكنة لتطبيقه، وهي بالتأكيد توجب كون «حارس البوابة/ الناشر» شخصاً طبيعيا أو اعتباريا موجوداً على أراضي الدولة، مع الاعتبار لحالات وجوده خارج حدودها، وما يعنيه ذلك من اقتصار القدرة على اتخاذ إجراءات من جانب واحد كمنع دخول المطبوعة وما يوازيه في العالم الافتراضي «الحجب»، وكل ذلك وفق مندرجات القانون المنتظر.

http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=79313