منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات » العولمة والمعلومات في القارة الخفية

المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات هذا المنتدى يهتم بالمكتبات ومراكز المعلومات والتقنيات التابعة لها وجميع ما يخص المكتبات بشكل عام.

إضافة رد
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم Mar-11-2007, 06:48 AM   المشاركة1
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
أستاذ مساعد بجامعة الطائف
 
الصورة الرمزية د.محمود قطر

د.محمود قطر غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,379
بمعدل : 0.65 يومياً


افتراضي العولمة والمعلومات في القارة الخفية

العولمة والمعلومات في القارة الخفية
من مقالة لمصطفى المصمودي ( رئيس الجمعية التونسية للاتصال ) بعنوان: "العرب وحوار الحضارات في مجتمع المعلومات"
نص الموضوع :
إن العلاقة بين منظومة العولمة ومفهوم الحضارة في مجتمع المعلومات في
حاجة الى تحاليل ضافية ودراسات معمقة، غير انه يمكننا ابراز البعض من
جوانب هذا التناغم الثلاثي من خلال ما كتب حول الموضوع في السنوات الاخيرة.

ان العولمة هي غياب البعد الوطني او القومي بحيث كانت تقوم المنافسة بكل
درجاتها وانواعها داخل حدود الوطن نفسه، فالعولمة تعني مصنعا عالميا
واحدا وسوقا عالميا تهيمن عليه الشركات العابرة للقارات، وتعاملا تجاريا في قرية عالمية لا تتشابه مع القرية المعهودة في
تقاليدها الانسانية ولا في ثقافتها الشعبية التي تعني تشابك اساليب الحياة.

ويرى بعض المنظرين أن للثقافة جانبين: روحي ومادي بحيث يضم الجانب
الروحي القيم والمعايير والاعتقادات والتقاليد، ويمثل الجانب المادي
التجسيد المحسوس لما يصاغ من أدوات ومنشآت لضمان
الاستقرار الحضاري والتعايش الاجتماعي. وهذا يعني ان الثقافات المتجنسة
والمتباينة نسبيا يمكن أن تشارك في حضارة عالمية واحدة بقدر سعة
انفتاحها وتفاعلها مع سائر العالم وذلك مع الاحتفاظ
بجانبها الروحي ومميزاتها الخاصة. ويقول صامويل هنتنغتون في كتابه "صراع
الحضارات واعادة صنع النظام العالمي" ان الثقافة والهويّات الثقافية التي
هي هويات حضارية تشكل انماط

التماسك والألفة والمودة بين المنتمين او المنتسبين لهذه الحضارة أو تلك
فالناس يعرفون انفسهم من خلال النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم
والعادات. كما ان رموز الهوية مثل الاعلام وغطاء
الرأس والمأكولات والشعارات الدينية (الهلال أو الصليب) تدخل في الاعتبار
الى حد كبير للتعريف بتلك الهوية.

وبصورة عامة فإن الفروق التي أصبحت تميز بين الشعوب بعد انتهاء الحرب
الباردة لم تعد سياسية او اقتصادية بقدر ما هي ثقافية ومن هنا تدرج مؤلف
كتاب "صدام الحضارات الى تصنيف هذه الحضارات وتقييم وزنها على الساحة العالمية.

1 - الحضارات العالمية اليوم:

لقد أصبحت المجتمعات حسب هنتنغتون تعتمد الهوية للدفاع عن مصالحها
وتنميتها. وبما أننا لا نعرف من نكون إلا عندما نعرف من ليس نحن، ومن هم
خصومنا، فقد تأكدت ظاهرة الانتساب
الحضاري. وبالتالي فإن الكتل الثلاث الكبرى التي كانت قائمة إبان الحرب
الباردة قد تركت المجال أمام التكتلات الحضارية، وقد حصرها المؤلف في
ثمانية تجمعات وهي البلدان الغربية والاسلامية
والهندوسية والامريكية اللاتينية والإفريقية الارتوذوكسية واليابانية.

ويستنتج المؤلف أن الصدارة في الترتيب هي للمجموعة الصينية من حيث تعداد
السكان وتليها المجموعة الاسلامية وهو يلتقي في ذلك مع هنري كيسنجر الذي
يرى ان القوى الرئيسية التي ستؤسس النظام
العالمي في القرن الحادي والعشرين تنتمي لحضارات متباينة جدا ومنها
الدول الاسلامية التي ستكون مؤثرة في الشؤون العالمية بفضل مواقعها
الاستراتيجية وتعدادها الفخم ومواردها البترولية.
وستكون السياسة المحلية في هذا العالم الجديد هي السياسة العرقية
والسياسة الكونية هي سياسة الحضارات كما سيكون صدام الحضارات محل
المنافسة بين القوى الكبرى.

2 - التأقلم مع الحدود الجغرافية الخفية:

انه من البديهي ان يتناغم كل خطاب مع المناخ الذي يحيط به كما انه لا
مندوحة من الاعتراف بالحدود والفضاءات الجديدة التي أفرزتها منظومة
العولمة والمقصود بهذه الحدود هي تلك "الجغرافيا السرية
للاقتصاد الجديد". لقد صدر في الأشهر الأخيرة بباريس كتاب مترجم من
الانجليزية ألفه الباحث الياباني كنيشي أوهماي تحت عنوان "القارة الخفية"
ومفاد هذا الكتاب ان ظاهرة العولمة ادت الى
ظهور هذا الكيان السياسي الذي ليس له دستور ولا نظام أساسي لكنه يستند
الى ميثاق عنوانه الاستقلال في كنف التكامل والترابط والتعايش السلمي
ولهذه القارة مؤشرات مشابهة للقارات الجغرافية المعروفة كالمساحة وعدد السكان وحجم الناتج
ومعدل الدخل الى آخره.

ويوضح كنيشي ان الانسان لم يكتشف بعد مختلف خفايا هذه القارة غير أنه
قادر على ادراك ملامحها من خلال أربعة ابعاد وهي: البعد الظاهر والبعد
الافتراضي والبعد الظرفي والبعد العابر للحدود.
فالانسان يمر بالابعاد الاربعة في اليوم الواحد بحيث يتعامل مع البعد
الظاهر عندما يشتري غذاءه، ويتفاعل مع البعد الافتراضي عندما يستعمل
بطاقة دفع ممغنطة، ويلامس البعد الظرفي عندما يقف في بهو
البورصة، ويدخل في البعد العابر للحدود عندما يجلس أمام التلفزة أو
الحاسوب ويستفيد عن بعد من مختلف الخدمات الادارية والتجارية.

ولهذه القارة الممتدة عبر الاراضي والبحور جسور تساعد على العبور بين
منطقة واخرى لكنها لا تماثل الطرق والمسالك التي عرفها الانسان في العصر
الصناعي. ويتحكم في هذا الكيان المنتجون
والمستهلكون على اختلاف مشاربهم وهم غير متفقين على توجه واحد ولا توحد
بينهم إلا اللهفة على الربح السريع، وغزو الأسواق الجديدة، والمنافسة
الشرسة. أما الجسور فهي أساسا قنواتالتلفزيون الفضائية وشبكات المعلومات،
وانترنيت، ومايكروسوفت.. وتسمح الاحكام الضمنية في هذه القارة بالتمييز في المعاملات بين مجموعة سكنية
واخرى والمراوغة وعدم احترام مبادئ المساواة وتجاوز اداب اللياقة.
ويمكن لكل راغب ان ينتسب الى هذه القارة
بمحض ارادته او تحت التأثير والاغراء أو بدافع الطموح.

والسؤال بالنسبة الى كل مفكر عربي هو: ما هي مميزات التعامل مع هذا
الظرف الجديد وما هو مستوى حضورنا في هذه القارة الخفية؟ وما هي نسبة
تفاعلنا مع مكتشفيها؟ وما هو مقدار مشاركة الفكر العربي لتبوّؤ منزلة فيها؟
وبأي نسق سيكون إقبال الخبرة العربية عليها؟
وهل ستساعد وسائل الاعلام العربية المهاجرة على اكتساح هذه القارة أم
ستكون محل مراودة من اطراف خفية لمساعدة المنافسين على احباط مساعينا، وتشويه صورتنا،
وعرقلة انخراطنا في هذا المجتمع المعرفي الذي يقوم على الفطنة والذكاء؟

ان الاستراتيجية الاعلامية هي محور مركزي في هذا المجال، كما أنها تمثل
ركنا أساسيا من اركان الحوار بين الاطراف المتعايشة في هذا الكيان الجديد.

3 - أثر الحضارة العربية الاسلامية في مسار العولمة:

يرى الشاذلي القليبي في كتابه "أمة تواجه عصرا جديدا"، أن العولمة لا
تتناقض مع توجهات الحضارة الاسلامية التي وفرت مجالا رحبا منذ نشأتها
للتقارب بين الشعوب وتلاقح الحضارات، بل أكثر من ذلك، أن ظاهرة العولمة تجد في الحضارة العربية الاسلامية تراثا ثقافيا
مناسبا لتطوير مثل هذا التواصل والتقارب بين الشعوب.

ولذلك فإنه يتعين علينا العودة الى هذا الإرث الثقافي كما يجب علينا ونحن
نؤكد خصوصياتنا الثقافية ان نتجنب الافراط حتى لا نثير لدى الآخرين الضغينة
والافكار المسبقة التي لن يتردد هؤلاء في ربطها بالإسلام جهلا منهم بأن من صميم هذه الديانة مفاهيم السماحة، والتعقل،
والانفتاح، والمروءة. كما يجب اقناع الآخر بأن العدو الحقيقي للانسان إنما
هو الفقر، وسوء المعاملة، والجور، وأن قانون السوق لا يجب أن يؤدي الى مجتمع السوق أي الى قانون الغاب.

ان على كل مجتمع في مستهل هذا القرن الجديد أن يمهد السبيل الى تناغم
يستحث الوفاق وحضارة متجددة تستلهم التراث بشكليه المادي واللامادي.

وكما هو الشأن في الماضي، فإنه يجب أن تتغذى هذه الحضارة على تنوع القيم
والطموحات المشروعة واحترام الهويات المختلفة. وكذلك قدر كل الشعوب
الراغبة في التقدم والتألق ولن يتحقق ذلك الا بدعم اعلامي فاعل.
ومن المؤسف اننا دخلنا في عالم قوامه العنف والارهاب
وقد تولد ذلك في حد كبير عن انفتاح الحدود والتطرف واشتداد الحاجة
والفاقة حتى في المجتمعات الغنية وأصبحت الانسانية تبحث عن حلول ملائمة لقضايا جديدة
وقوانين دولية متميزة وضوابط أدبية يتقيد بها الجميع في القارة الخفية. وما احداث 11 سبتمبر الا مظهر لتحرك
قوى الشر وقد اعتقد بعضهم خطأ ان ذلك مظهر لصراع بين الحضارتين الاسلامية والغربية.


الصورة العربية غدا في القارة الخفية:
والسؤال بالنسبة الى كل مفكر عربي ما هو مستوى حضورنا غدا في مجتمع
المعلومات وفي هذه القارة الجديدة؟ وما هي نسبة تفاعلنا مع مكتشفيها؟
وما هو مقدار مشاركة الفكر العربي لتبوّؤِ منزلة فيها؟

وبأي نسق سيكون إقبال الخبرة العربية في هذا المجتمع المعرفي الذي يقوم
على الذكاء والفطنة وعلى التحرك السريع وزوال الحدود الوطنية؟

إن الاستراتيجية الاعلامية هي محور مركزي في هذا المجال، كما انها تمثل
ركنا أساسيا من أركان الحوار بين الاطراف المتعايشة في هذا الكيان الجديد
بما فيها من عرب وأوروبيين.

لقد كتب الكثير من الاعلام العربي في اوروبا عما يتعين بذله من جهود بضمان
التعايش الحضاري حتى تكون الصورة العربية مقبولة لدى الجمهور الأوروبي
ويكون المواطنون في المنطقتين أكثر إحاطة بما يجري حولهم في العالم، وحول مصيرهم المشترك.
وكان هناك وفاق كامل حول ضرورة السعي الى تحسين سيولة الاعلام العربي نحو أوروبا وذلك باللغة
والأسلوب اللّذين يتناسبان أكثر من غيرهما مع المستهدفين والأطراف المتقبلة.

هذه هي المبادئ التي تحركت من أجلها في البداية الأقلام العربية ويظهر أن
هذا الجانب من الرؤية الاستراتيجية التي وضعتها صفوة عربية مختصة منذ ربع
قرن وأثناء فترة قصيرة تهيأت فيها الظروف

المناسبة، غاب اليوم عن الذهن. فأين نحن من هذه الرؤية وأين نحن من هذه
الأهداف السامية؟

فلا ينبغي ان تخفى هذه الحقيقة عن أذهان الذين تخلبهم الأنوار المحرقة
لهذه القارة الخفية. ولا بد من كشف المشكلات والجوانب السلبية التي
يجابهها الاعلام العربي في الخارج أيضا.

فقد هاجر بعضهم في بادئ الأمر بسبب السعي الى حرية التعبير والنشر لكنهم
ما لبثوا ان واجهوا رقابة وتوجيها من طرف من ركنوا إليه لتوفير تلك
الحرية، فأصبح بعضهم يساند بدون تمييز الاطراف

الخارجية المدعمة ولو على حساب الهوية الأصلية ولذلك فإنه يمكن القول ان
هذه الصحافة قد خدمت الحضارة العربية بنسب متفاوتة وكانت مصادر التمويل
من المعوقات الأساسية التي قيدت الحرية وأثرت في الاتجاه.

ان الاستنتاج الاول من الدراسة هي ضرورة الاعتراف بأهمية التحرك الثقافي
الاعلامي في العمل الهادف الى تغيير العقليات وتطوير السلوك وإبراز الملامح
الإيجابية للصورة التي نريد تكريسها عن مقومات حضارتنا في المحيط القريب والبعيد.

ويكمن العنصر الثاني للاستنتاج في ضرورة الاقتناع بأن الصورة الخارجية لأي
طرف هي الانعكاس المباشر للصور الداخلية وهي متغيرة ومتأثرة بالاحداث
المحيطة.

ولعل الاستنتاج الأهم هو الاقرار بأن صورة الحضارة العربية الاسلامية في
الخارج لم تكن على احسن ما يكون وان هذه الصورة كانت متأثرة غالبا
بالصورة الداخلية المتناقضة وتحت تأثير التطرف والمغالاة.

ان هذه الصورة لن تتحسن إلا من خلال خطة متماسكة وبرنامج عمل متواصل يراعي
كل الاعتبارات الجديدة وكل مقتضيات مجتمع المعلومات. ويعود هذا المجهود
الى كافة الاطراف المعنية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة
والعلوم وسائر المنظمات العربية غير الحكومية والمنتديات الاجتماعية.


المصدر
مجموعة المكتبيين العرب












التوقيع
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال
  رد مع اقتباس
قديم Mar-11-2007, 07:35 AM   المشاركة2
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
أستاذ مساعد بجامعة الطائف
 
الصورة الرمزية د.محمود قطر

د.محمود قطر غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,379
بمعدل : 0.65 يومياً


افتراضي الثقافة والعولمة




الثقافة والعولمة

هل ثمة صراع حقيقي بدا يلوح في الأفق بين العولمة وتجلياتها والمنجز الإنساني المتراكم؟
ميدل ايست اونلاين

الثقافة والعولمة، كلمتان تستفزان الذاكرة والفكرة معاً، من منهما كان ومن منهما سيكون في سياق تحديد العلاقة التنويرية بين الفكر وتجليّاته؟ الثقافة نتاج معرفة، الثقافة ممارسة فاعلة لتأكيد المنتج المعرفي الإيجابي في سلوك الإنسان، الثقافة تستمد نسغها من ديناميكية إحداثيات جوهرية في سفر الحركة الحياتية (التاريخ، الفكر، التراث، الفلسفة، العلم) كل هذه العوامل تتفاعل معاً من خلال حالة توازن تؤدي إلى إنتاج الرؤية المعرفية، الرؤية التي تلخص وجهة النظر إزاء الفعل الحياتي للكائن البشري، ومع اختلاف أنماط التعامل مع الإحداثيات الآنفة الذكر بين مجتمع وآخر، كانت الرؤية المعرفية تحتمل شيئاً من المغايرة في فلسفة تعليل وتأويل الظواهر الاجتماعية والسلوكية، لكنها تسهم في الخلاصة إلى تأكيد البعد الإنساني لمفردة الثقافة التي تجسد الجانب المعرفي في سلوك المجتمعات.
الثقافة تتجايل دوماً مع حركة الفكر الإنساني، ترسم ملامح التعبير إزاء الظاهرة، تنسجم مع حركة التاريخ بأبعاده الزمانية والمكانية، الثقافة لا تتضاد مع الجديد في كل الحقول والميادين، بل تتفاعل مع إرهاصات المكتشف والمنتج الفكري، تنسج سماته التنويرية، تشكل مجساته التي تتحرى الأثر والتماثل مع الآخر، الثقافة إسهام جمعيٌ للمنتج المعرفي في تحديث الرؤية والموقف من الآني والمتوقع، الثقافة انحياز لحالة التوازن الأخرق للمنطق، وتجسير لحالة الوضوح والتناغم مع المتغير، ويمكن وصف الثقافة على أنها معيار أكثر منها حالة تلبس للفعل.
العولمة مفردة منتجة لحالة تحول بارزة في تأريخ الحدث الحياتي، ولأن حالة التحول تلك تشكل تضاداً مع القراءة الأولى لحقيقة الجديد، بدت تلك المفردة تشكل غموضاً وتحرث الأسئلة تلو الأسئلة في بيئات نسج الصورة المقترحة لحالة التوائم بين الجديد ومسميات ثقافته، فكل جديد يسهم في تدوين مفهوم المغايرة في الخطاب الثقافي، ودائماً تحدث حالة التفاوض أو حالة المهادنة التي تفضي إلى تحديث الشعار الثقافي ليحتوي الأبعاد الجديدة للمنتج الفكري سواء كان هذا المنتج منبثقاً من ماضيه أو مبتكراً من حاضره، ولأن الثقافة هي حالة استشرافية قائمة مع كل التحولات الجديدة فلابد لها أن تتواءم ومفهوم العولمة كي ترصد حالة التأثير والأثر بين الجديد كمنتج فكري وحالة الآن الزمانية والمكانية.
العولمة مفردة تثير الدهشة أحياناً، فملامح الحداثة المنضوية ضمن آفاقها مستساغة من حيث هي تحول وتجديد، مستساغة من حيث هي رؤية تتجاوز العادي والمتراكم، مستساغة من حيث هي تمرد ومشاكسة، وهذه التماهيات بحد ذاتها ترسم حولها الكثير من الدوائر الاستفهامية، فصورة التمدن والتحضّر التي تختصرها مفردة العولمة تنحو إلى الانقطاع أحياناً وإلى تجاهل الواقع الكائن في أحيان أخرى، الواقع المتشكل مع تراكم وتفاعل الحياتي والزمني، فصورة النموذج الغربي للحياة والحضارة لم تكن منقطعة عن ساقية التاريخ والتراث، لم تكن منكرة للإرث الفكري والمعرفي للإنسان حتى وإن كان ساذجاً وبوهيمياً في مرحلة من مراحل تكوينه، بل كانت قراءة متأنية لأدغال الماضي وحقوله المعرفية، ومع كل القفزات المعرفية التي سجّلتها صورة التحضر في العالم الغربي لم تحاول أن تؤشر إلى حرق منجز معرفي على حساب الآخر، بل كانت صورة تكافلية تنحت في الممكن بشحنات الماضي والحاضر، وكانت الثقافة كلمة حاضرة ومنسجمة مع إشراقات الجديد بكل أطيافه وملامحه، حتى بزغ مفهوم العولمة في أواخر القرن العشرين، وكأنه إعلانٌ عن تحد غريب أو حالة صراع بين الجديد وذاته.
العولمة تميل في استبطانها للمعنى نحو تغليب لغة الماكنة، وتطلقها كأنها تعويذة العصر التكنولوجي الذي يبشر بفلسفات وأفكار تبدو للوهلة الأولى أنها قطيعة تاريخية ومعرفية مع الذات والمنتج التراكمي، العولمة تبشر بذاتها التي تصر على فرادتها وتثير تذمراً من مصافحة مفهوم الثقافة التجايلي، وكأنها تتوخى الحذر من التعامل مع هذا المصطلح الذي شكّل سماته من حركة التاريخ والحياة، وإذا سلّمنا افتراضًا أنها هكذا، ترى ما معنى الثقافة في فلسفة العولمة؟ وهل هناك محاولة لإنتاج قالب ثقافي يختلف عن السائد كي يحتوي تجليات العولمة؟
كل هذه التساؤلات ربما لا تكون ذا فائدة إذا ما تم تدعيم مفهوم العولمة على أنه حالة مكثفة للحداثة ونزوع صارم لإعادة قراءة مفهوم التحضر والثقافة، إنما التبشير الأولي لمفهوم العولمة ينبئ بغير ذلك، فالتفسير المعلن لتداعيات فكرة العولمة يشير إلى ملامح القطيعة، والمخيف في هذا التداعي أنّ القطيعة فيما لو حدثت ستكون ذا أبعاد خطيرة ومخيفة في آن، فقطيعة التاريخ والتراث والقيم الأخلاقية تعني نشوء جيل بدائي في مفهوم التراكم المجتمعي، جيل بحاجة إلى هوية وهذه الهوية قطعاً تنزع للبحث عن قوالب معرفية وأيديولوجية جديدة كي تسهم في توضيح الملامح الأولية لتلك الشخصية المتشكلة من فجوة الانفصال عن الأسس والحاضنات الحياتية، لأن العولمة لا تؤمن بحركة التاريخ الذي سبق اختراع لغة الماكنة، والعولمة لا تؤمن بمنظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية بقدر إيمانها بلغة التقنية التي هي لغة العولمة الفعلية.
وأمام هذا الطرح الذي بدأنا نقرأ تفاعلاته مع حالة التحديث التي أفرزت عدّة معطيات يمكن من خلالها صوغ الكثير من الإستفهامات ورسم خطوط ولو افتراضية لحالة التصادم المتوقع بين نزعة تجديدية استحوذت على الخطاب المعرفي وبدت تتدخل في تشكيل مفاهيم فكرية واجتماعية وأخلاقية من خلال منظور واحد ألا وهو المنظور التقني العلمي البحت وبين منظومة معرفية أوجدتها حركة الفعل الحياتي وواكبت جميع مراحل وتجليات الفكر البشري. هنا هل نستطيع أن نقول إن ثمة صراعاً حقيقيا قد بدا يلوح في الأفق بين العولمة وتجلياتها وبين المنجز الإنساني المتراكم مع تاريخ البشرية؟ وهل الشعوب قادرة على تصور ثقافة جديدة لاعلاقة لها بتاريخها وجغرافيتها وإرثها أم أن نزعة العولمة سوف تستحيل حالة تجديدية وتهادن قضية الوجود إذا ما اكتشفت تلك الشعوب البعد التدميري لفلسفة العولمة؟
أسئلة كثيرة وحقول مازالت تحتمل الكثير من الجدل والتأويل ويبدو الجزم في حقيقة معينة في الوقت الراهن أشبه بغربلة للريح.
د. عزيز التميمي

المصدر
ميدل إيست أونلاين












التوقيع
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتب المداخل في مجال المكتبات والمعلومات هدى العراقية عروض الكتب والإصدارات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات 24 Aug-13-2017 06:37 PM
بحث وتحقيق عن القراءة وطرق تسريعها aymanq المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات 0 Mar-10-2007 11:05 PM
الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات (اعلم) والجمعيات المهنية العربية عمرو عروض الكتب والإصدارات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات 3 Jul-28-2006 10:40 AM


الساعة الآن 06:46 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين