[كريشان]

العربية في عصر القارئ الرقمي .. صالح القاسم


بات من المعروف أن القارئ العربي في يومنا هذا لم يعد يقرأ من الورق فقط، بل صار يقرأ أيضا من النصوص الالكترونية المنشورة على الأقراص المضغوطة وعبر شبكة الانترنت، ويوما بعد يوم يزداد انصرافه الى القراءة الالكترونية، خصوصا في ظل تزايد ارتفاع اسعار أوعية المعلومات الورقية من كتب ومراجع ومجلات... الخ، وتزايد انخفاض اسعار تكلفة الاطلاع على أوعية المعلومات الالكترونية عبرشبكة الانترنت مثلا، بالاضافة الى ما توفره شبكة الانترنت من مميزات مثل السرعة والسهولة، والقدرة على تحميل البرامج والنصوص، الى غير ذلك من المميزات التي لا تتوافر في ظروف القراءة العادية.
واذا ما استمرت هذه الحالة دون التفات لها فإن القارئ الورقي معرض الى التحول الى قارئ الكتروني فقط أو قارئ رقمي، واذا كان القارئ العربي بات في معظم وقته منصرفا الى القراءة الالكترونية، او القراءة الرقمية، عبر شبكة الانترنت، فإنه حتما يقرأ ما هو منشور عربيا أو ما هو منشور باللغة العربية على الشبكة، وبما انه لا يوجد الكثير مما هو منشور عربيا على الشبكة فسوف ينصرف بالبحث عن ضالته بما هو منشور باللغات الأخرى، وفي الغالب ما هو منشور على الشبكة باللغة الانجليزية، أي أن القارئ سيتحول الى القراءة باللغة الانجليزية، وسوف يكون مقدار تحوله عن اللغة العربية مساويا لمقدار تحوله الى القراءة باللغة الانجليزية وهو مقدار كبير بالطبع، لأن ما هو منشور باللغة الانجليزية على الشبكة كثير جدا قياسا الى ما هو منشور باللغة العربية.
ان ما هو منشور الكترونيا على الشبكة باللغة العربية كمثل نقطة في بحر، في حين ما هو منشور الكترونيا على الشبكة باللغة الانجليزية أكبر من أن يحصى، ويكاد يكون مساويا لما هو منشور ورقيا، واذا أردنا أن نحافظ على لغتنا العربية فإننا نحتاج الى تحويل ثقافتنا المكتوبة باللغة العربية وعلى وجه السرعة الى ثقافة مكتوبة باللغة الرقمية، لكي نبقي القارئ العربي في حوزة الثقافة العربية يطورها ويطور لغتها.
إن قلة ما هو منشور على شبكة الانترنت باللغة العربية تعرض لغتنا الى الخطر: خطر الضمور والانحسار في الذهنية العربية، لأن اللغة التي يمتح منها القارئ الرقمي العربي اصبحت غير عربية كما أشرنا، وحتى العربي المنتج للثقافة العربية أصبح يجد نفسه مضطرا للانتاج باللغة الانجليزية، لأن اللغة الرقمية هي الرائجة، واللغة الرقمية الرائجة ليست عربية. وهنا الطامة الكبرى على اللغة العربية عندما يضطر أصحابها للكتابة بغيرها لترويج افكارهم.
وبالتالي على المختبئين وراء مقولة: «إن اللغة العربية لا خوف عليها ولا يحزنون لأن القرآن الكريم مكتوب بها» أن لا يعتمدوا على ذلك كثيرا، لأن الله سبحانه وتعالى عندما قال: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» فانه قصد بذلك حفظ القرآن الكريم وليس اللغة العربية، والمفسرون يقولون: وإنا له لحافظون اي حافظون له من ان يزاد فيه او ينقص منه. أي ان تزيد فيه باطلا او تنقص منه حقا مثلا، ولا يوجد هناك ما يشير الى أن الله يحفظ اللغة العربية لأن القرآن الكريم انزل بها (بلسان عربي مبين)، والمصاحف وكما يعرف الجميع منتشرة هذه الأيام في مختلف اللغات وفي طليعتها اللغة الانجليزية، بصرف النظر عن دقة هذه الترجمة أو تلك، مع تحفظنا على قدرة الترجمة على نقل الاعجاز القرآني.
وفي الوقت نفسه لا ننكر ما للقرآن من دور في حفظ اللغة العربية عبر العصور الفائتة، الا أن تراجع الاهتمام باللغة العربية، وانحسار دور المسجد في التعليم على المستوى الورقي بشكل عام، وقلة ما هو منشور باللغة العربية على شبكة الانترنت، يحتم علينا الانتباه الى لغتنا العربية والعناية و نشرها بالشكل الالكتروني لكي تظل حاضرة أمام القارئ الالكتروني، والا سوف تضمر في عقول الناس، وسوف تظهر معادلة اضطرارية وهي: كلما زاد اقبال العرب على استخدام الانترنت بلغات أخرى، انحسرت اللغة العربية في عقول هؤلاء الناس.
ان اللغة غير المستخدمة على شبكة الانترنت، والتي ليس لها موقع بين الكتابات الالكترونية معرضة للتلاشي والانقراض، والحقائق تشير الى انه من بين ستة آلاف لغة في العالم يوجد منها على شبكة الانترنت نحو 500 لغة فقط، ومعظمها ذو وجود ضعيف للغاية، وتكشف تقارير اليونسكو حقائق مفزعة، ففي تقريرها الصادر مؤخرا عن الوضع العالمي للغات البشرية ما يشير الى «أن نصف لغات العالم (6000 لغة) مهددة بالانقراض، وأن معدل الانقراض في تسارع متزايد، لدرجة انقراض لغة إنسانية كل أسبوعين»، وهو ما ينذر ب«هوة لغوية» تحت الصنع، تفصل بين لغات دول العالم المتقدم، ولغات دول العالم النامي غير القادرة على مساندة لغاتها في المعركة اللغوية الطاحنة عبر الإنترنت.
ان ما يوجد باللغة العربية على الشبكة لا يتجاوز عشرة آلاف من بين ملايين المواقع بلغات أخرى مع العلم اننا (نحن العرب)، من حيث عدد السكان، نشكل خمس سكان العالم تقريبا، وهذا لا يعكس حجم حضارتنا، ولا حجم ما هو مكتوب عنها ورقيا، ولا يكفي القول إن القرآن يحفظ لغتنا، وإن المكتبات تزخر بملايين المجلدات المكتوبة باللغة العربية، فلغة العصر المقروءة في يومنا هذا هي لغة الانترنت، أو ما هو مكتوب على الانترنت، وما هو مكتوب على شبكة الانترنت باللغة العربية قليل جدا جدا قياسا بما هو مكتوب بلغات أخرى كاللغة الانجليزية مثلا.
وعدم ادراك ذلك والاكتفاء بالتخندق تحت مقولات غير مبررة، سوف يؤدي الى تراجع لغتنا وانحسارها، وقد لا نجدها مستقبلا الا لدى العلماء والمتخصصين باللغة العربية، وعلى رفوف المكتبات فقط.
* كاتب أردني
http://www.alrai.com/pages.php?news_...elect=المكتبات

[عبدالله الشهري]

السلام عليكم ورحمة الله
أخي العزيز / أبا حامد
بارك الله فيك و جزاك الله خيراً على اختيارك الموفق لهذا الموضوع الرائع...
تحياتي.