[محمد حسن غنيم]

إقتصاديات المعلومات



لا شك أن التقنية اليوم أصبحت من ضروريات الحياة, ولم تعد مجرد أجهزة وبرامج للتسلية أو القيام بمهام خاصة, وهاهي المؤسسات والشركات العالمية بجميع فئاتها وأنشطتها تعتمد على المعلومات ومعالجتها واستثمارها بما يعود عليها بالنفع كل حسب الأهداف الموضوعة لها. لقد وفرت تقنيات المعلومات والاتصالات كمية معلومات كبيرة للفرد أيا كان وفي أي مكان وأصبح بإمكانه موظفا كان أم مسؤولا, زائرا كان أم باحثا, التحاور مع نظام معلوماتي واستخدامه بالشكل والصيغة التي يحتاج إليها لجعله أكثر معرفة. من شأن هذه النظم أن تنظم المعلومات قديمها وحديثها ثم تخزنها بشكل يسهّل عملية استرجاعها عند الحاجة إلى تحقيق أهداف عديدة منها: إتاحة وإيصال المعلومات للمسؤول والباحث عنها أو فيها وفقاً لحاجاته الموضوعية, وتوفير المعلومات للمواطنين لرفع مستوياتهم الثقافية والمهنية, الإفادة منها في الدراسات التطويرية وتنميتها بما قد يفتح آفاقاً جديدة تحافظ على الرقي الدائم والتقدم المستمر. ولم تعد هذه النظم متفردة ومتخصصة بل أصبحت متكاملة وشاملة وفي كل الميادين والتخصصات وتحقق الترابط الذي كان يستغرق الإنسان وقتا طويلا للوصول لمبتغاه فيها وتحقيق أهدافه.


يمكن القول إن تنامي حجم تقنية المعلومات واستخدامها في كل القطاعات وتشغيلها بواسطة نظم آلية تلغي إلى حد بعيد مركزية العمل والقرار, يتمثل مبدئيا في المكتبات ومراكز المعلومات. فمكتبة المستقبل ومركز المعلومات في أي جهة خدمية أو تعليمية أو تشريعية تعمل على اختزان المعلومات في أوعية إلكترونية للتخلص من غرف "الحفظ والأرشيف" وأرفف المطبوعات والملفات التقليدية, كما تتيح المعلومات الأساسية والمعالجة لاستخدامها من قبل المستفيد بعيدا عن مدير المكتبة أو أمينها والإخصائي إلا فيما ندر. أما المؤسسات الإعلامية والمصارف وشركات التأمين .. إلخ فقد أخذت تعتمد على معالجة المعلومات لتحقيق الدقة والسرعة، ورفع كفاءة إنتاجها من خلال زيادة حجم التغطية. هذا يعني أن النظم الآلية المشغلة للمرافق بجميع مجالاتها وأنشطتها يمكن أن تكون هدفا اقتصاديا واعدا. ففي هذا الصدد صدر في أول أبريل الماضي لهذا العام 2007م, التقرير السنوي لمجلة المكتبات الأمريكية (Library Journal) حاويا معلومات وفيرة ودسمة تفتح أمام الاستثمار خطوطا جديدة لاقتصادات المعلومات, وقد وضح من التقرير أن هناك 27 نظاما تابعا لشركات معدودة جدا تميزت بالانتشار الواسع والمكاسب الخيالية أيضا, وبدأت الشركات في تشكيل تكتلات من خلال الاندماجات معدة نفسها لعام 2008م, بالانتشار على مستوى العالم لاكتساب شرائح جديدة من مجتمعات العالم متوقعة زيادة الأرباح بنسبة 6 إلى 7 في المائة عن هذا العام. لقد تمكنوا بتقديم النظم بعدة لغات من التعامل مع المجتمعات الدولية محققين انتشارا واسعا آملين حيازة السوق لفترة طويلة مقبلة. فأين نحن من هذه الأنشطة والتكتلات والاندماجات؟.

إن مجتمع المعلومات حقيقة اقتصادية تحتم علينا الانفتاح على الاقتصاد العالمي بالرغم من أنه يحمل في طياته مخاطر كثيرة, ولكن يهمنا ما يحمله من فرص جديدة خصوصا إذ ما استطعنا أن نطور من أنفسنا برفع مستوى الأداء والاستثمار في التقنية بصورة صحيحة. قد نفكر من الآن في توجيه بعض الاستثمارات الموظفة في مجال تقنية المعلومات نحو إنشاء وتطوير النظم الآلية مع تغليب النظرة الاقتصادية لتحقيق أقصى إفادة من تشغيلها وتنمية استخدامها. في القطاع الصحي مثلا, لو تم استخدام نظم المعلومات الصحية المتكاملة في المرافق الصحية كافة لسهل علينا مثلا تقدير حجم صرف الدواء والهدر فيه, أو حجم الأخطاء الطبية وما يترتب عليها من تكاليف, ولبدأنا نعرف الحجم الطبيعي للمشكلة التي مازلنا نتعامل معها من وجهة نظر صحافية فقط. من ناحية أخرى وصول مشكلة "التكاليف" إلى مستويات لم نستطع بعد تحديدها بالضبط لمعرفة حجم الفاتورة الصحية إجمالا, يحتم علينا دفع عجلة الاستثمار في هذا المجال لتقديم الخدمة الصحية بأسلوب عصري ولعقود من الزمن بثبات. هذه النظم أيضا تسمح بشفافية معلوماتية كبيرة بين المرافق المختلفة في القطاع الواحد بل وبين القطاعات المختلفة وتساعد القائمين على العمل في أي قطاع كان, التعليمي والهندسي... إلخ أن يعنوا بتقديم الخدمات بتوازن كبير بين المرافق في المنطقة الواحدة وبين المناطق المختلفة وحتى بين القطاعات المختلفة, مع إمكانية تقليل نسبة الخطأ بمتابعة قراءة التقارير الدورية والإفادة منها في التخطيط المستقبلي. والشيء بالشيء يذكر لو أن وزارات "التخطيط, العمل, الخدمة المدنية, المالية" تبنت نظاما موحدا منفتحة فيه على أنظمة الغرف التجارية لمهد ذلك إلى تكوين قاعدة معلومات كبيرة عن القوى العاملة الخاملة والعاملة وتحديد الفاعلة منها ولوفر ذلك الوظائف حسب الاحتياج الفعلي دونما تخمين أو تقدير ولكانت التقارير أسس تخطيط الاستفادة من الموارد البشرية.

عموما, حبذا لو أننا بدأنا في تنويع الاستثمار بالتوجه نحو تصميم أو تطوير أو تعريب برامج ونظم آلية تشجع كل القطاعات بجميع تخصصاتها دون استثناء على استخدامها لما لها من مردود إيجابي على جودة أداء أنشطتها وخدماتها. وبالطبع يمكن التخطيط من الآن لتكوين شراكات على المستوى الخليجي لإتاحة الفرصة للاستثمارات التي تمتلك الخبرة أن تملك رأسمالا كبيرا أيضا يسهم في الريادة في هذا المجال ودفع التعاون الخليجي أو الخليجي / العربي في تقنية المعلومات والاتصالات وتحديد أولويات التنمية للمضي فيها بكل ثقة بإذن الله.
محمد حسن غنيم
المصدر: http://www.alaswaq.net/views/2007/05/17/8027.html
أصلا منقول عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.