[ابراهيم محمد الفيومي]

الموت يغيب الحاج مدبولي.. أشهر ناشر للكتب في مصر
قدم للمكتبة العربية آلاف العناوين.. وخاض معارك ضد المتشددين

الحاج مدبولي وسط كتبه (تصوير: عبد الله السويسي)مكتبة مدبولي من اشهر معالم القاهرة ( تصوير: عبد الله السويسي)

القاهرة: أحمد الجزار
غيب الموت الحاج محمد مدبولي أحد أشهر الناشرين المصريين والعرب، إن لم يكن أهمهم، إذ قدم من خلال مكتبته الآلاف من العناوين المهمة في شتى صنوف المعرفة.
وشُيع ظهر أمس (السبت) جثمان الحاج مدبولي الذي توفي مساء أول من أمس عن عمر ناهز 70 عاما بأحد مستشفيات القاهرة بعد صراع مع المرض استمر عدة أشهر.
ورغم أن الحاج مدبولي لم يكمل تعليمه إلا أنه كانت لديه رؤية كبيرة في اختيار العناوين التي سيصدرها من مكتبته، وخاض مدبولي معاركه الخاصة ضد متشددين، إذ قدم من خلال مكتبته الكثير من الكتب المثيرة للجدل والتي أثارت انتقادات، حتى أن متشددين هددوه بالاعتداء عليه، إلا أن هذه التهديدات لم تخفه.
وكان مدبولي من أكثر الناشرين تعرضا للملاحقة القضائية، ووصل عدد القضايا التي اتهم فيها إلى نحو 25 قضية نشر، وأدانه القضاء بعد توزيعه رواية «مسافة في عقل رجل» وحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات هو وناشر الرواية ومؤلفها، إلا أن الرئيس المصري حسني مبارك تدخل وأصدر عفوا عنه بعد طلب من المثقفين المصريين.
وإذا عرجت في وقت ما على مكتبة «مدبولي» التي تحتل موقعا مميزا في ميدان طلعت حرب التجاري الشهير بوسط القاهرة، كنت ستجده جالسا بداخلها بجلبابه الشهير، تستقبلك ابتسامته الواسعة، قبل أن يرشدك إلى الركن الذي ستجد فيه ضالتك من الكتب.
ولفترة طويلة ظلت واجهة مكتبة مدبولي الزجاجية هي المنفذ الوحيد للكتب المحظورة في البلاد، فبينما كان يتم منع أي كتاب من الطبع أو التوزيع في مصر، كانت تلك الكتب موجودة على أرفف مكتبته تنتظر قراءها، فرواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ التي منع طبعها في مصر وكانت تطبع في لبنان، كانت متوافرة في مكتبته فضلا عن كتب محمد حسنين هيكل التي منعت لفترة من الوقت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكتب الشاعر أحمد فؤاد نجم التي كانت ستصبح السبب في إزالة كشك مدبولي، الذي كان يقع قرب مقهى ريش، ملتقى المثقفين المصريين، بوسط القاهرة، الذي كان يعرض فيه كتبه قبل أن يفتتح مكتبته الشهيرة.
ورغم أن الراحل كانت له علاقات واسعة مع المثقفين العرب والمسؤولين ورواد حركات التحرر الوطني إلا أن علاقته مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات لم تكن ودية، ففي سبعينات القرن الماضي أصدر السادات أوامر بإزالة كشك «مدبولي» لأنه يتيح الفرصة للكتّاب أن يعبروا عن رأيهم المعارض من خلال الكتب التي ينشرها لهم.
ويمثل محمد مدبولي نموذجا للرجل العصامي إذ بدأ حياته من الصفر أو أقل قليلا، حيث كانت علاقته الأولى مع النشر والثقافة من خلال بيع الصحف مع والده وعمه، ولم يكن وقتها يبلغ من العمر سوى 5 سنوات. واهتم الراحل في السنوات الأخيرة من عمره بنشر موسوعات في الفلسفة والتصوف والتاريخ، وقام بحرق رواية «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة» للكاتبة المثيرة للجدل نوال سعداوي. «كان ظاهرة لها العجب»، بهذه الكلمات وصف الكاتب الصحافي صلاح عيسى رئيس تحرير صحيفة «القاهرة» التي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية الحاج مدبولي.
وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: كان شخصا عصاميا صعد من أسفل السلم إلى أعلاه وتحول من بائع صحف يطوف في الشوارع إلى أكبر ناشر وأكبر موزع في مصر، رغم انه «يكاد يكون أميا»، مضيفا: «كان حسن الفطرة وكان يتسم بروح إنسانية مع المثقفين فكثيرا ما كان يعطي كتبه لمن يحتاجها من المثقفين ولم ينتظر أن يدفعوا المقابل في وقتها». وأضاف عيسى الذي نشر نحو أربعة كتب عن طريق مكتبة مدبولي «كان شخصية نشطة وشجاعة ومتحمسة ومغامرة: فنشر لأحمد فؤاد نجم كتبه ودخل بسببها في مواجهات مع السلطات». وأشار إلى أن الحاج مدبولي تنبه لأهمية الوصول إلى عرب المهجر وانشـأ فرعا لمكتبة مدبولي في لندن، كما تنبه لأهمية إصدار الكتب النادرة التي اختفت طبعاتها من السوق، وسقطت حقوق ناشريها وقدمها للعالم العربي.
من جانبه، أكد الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب المصريين أن الحركة الفكرية المصرية خسرت أحد داعميها، وقال «ستظل الحركة الفكرية مدينة له على مدى السنين بما قدمه من أعمال أثرت على الحياة الفكرية». وأضاف سلماوي «كان مدبولي ظاهرة فريدة في الحياة الثقافية وكان أكثر قدرة على اختيار الكتب التي يقدمها من المثقفين أنفسهم».
الرابط

http://www.aawsat.com/details.asp?se...&issueno=10967