[السايح]

حاجتنا إلى مكتبات خاصة بالطفل

هناك أوقات كثيرة يمضيها الطفل تعتبر من الأوقات التي تحتاج إلى استثمار في ظل انشغال العائلة عنه. فلديه وقت فراغ بعد عودته من المدرسة في المساء ولديه وقت فراغ في نهاية الأسبوع ووقت فراغ ربما يكون الأكبر خلال إجازة الصيف. وهذه الأوقات يمكن استثمارها بما يفيد الطفل وينمي مواهبه وقدراته.
وواقع الحال لدينا يوضح افتقارنا لبرامج توفر للطفل الفرصة لاستثمار وقته؛ فليس هناك مكتبات أو أماكن تتوفر فيها المواقع المريحة والجلسات المناسبة لأعمار الأطفال؛ إضافة إلى البرامج الهادفة المدروسة. كل ما هناك الملاهي والألعاب التي تركز على تنمية المهارات الجسدية فحسب. والحقيقة أن بلدنا بحاجة إلى أفكار استثمارية تجلب ربحاً مادياً وفي نفس الوقت مفيدة للمجتمع ولأبنائه. وفكرة إنشاء مكتبات للأطفال موزعة على الأحياء تعد فكرة مفيدة إذا عرفنا مقدار الفائدة التي يجنيها الطفل من التحاقه بهذه المكتبات في بقية دول العالم.
وإذا علمنا أن هذه المكتبات تخضع لبرامج تعليمية مصممة خصيصاً لكي تناسب فئات عمرية معينة تبدأ من سن الخامسة وحتى سن العاشرة؛ فإن تلك البرامج يمكن تطبيقها عندنا لكي تناسب الفئة المستهدفة لدينا. ويراعى في تصميم المكتبات أن تكون مناسبة للطفل وقابلة للتجدد والتغير باستمرار.
ومن أبرز محتويات تلك البرامج في دول مثل أمريكا، تقديم أفلام تعليمية مربوطة بالشرح والتعليق من المعلمة، وقراءة حكايات بشكل جماعي، والتدرب على إنتاج قصص يرويها كل طفل على المجموعة ثم يصغي إلى أسئلتهم وتعليقاتهم ويتجاوب معهم بطريقة تديرها المعلمة بشكل يعزز روح الإبداع والخيال عند الطفل. وهناك أيضا طريقة التعلم عن طريق العمل مثل التركيب والتطبيق الذي يراعي عمر الطفل والرسم الموجه لتنمية حس الإبداع وتقدير الجمال والاتصال مع الطبيعة؛ وهناك كذلك أعمال الصلصال والفخار والخرز وتشكيل قلادات وسلاسل وعمل أساور ومسابح قد يشعر الطفل من خلال عمله بها بالكثير من الفخر والاعتداد بالنفس كونه صنع شيئا جميلا من أدوات متفرقة لم تكن ذات فائدة. إضافة إلى برامج للتدرب على الحاسب الآلي وتعلم لغات أجنبية والألعاب الإلكترونية التي تخضع هي الأخرى لمعايير تربوية معينة. كما تعطي تلك البرامج فرصة للألعاب والمرح بما يتناسب والفئة العمرية. ويمكن إشراك أهالي الأطفال في صناعة المنهج أو المشاركة في البرنامج وفقا لما يمكن لهم أن يضيفوا للأطفال من معرفة وتشويق؛ لأن مشاركة الأهل تشعرهم بالمسؤولية أكثر تجاه تعليم أبنائهم، إلى جانب أن هذا سيحافظ على مستوى لطيف من العفوية وعدم التحفظ أو الرسمية بحيث يقارب جو المنزل.
ومن إيجابيات إنشاء مثل هذا المشروع سواء أكان حكوميا أم أهليا هو استقطاب الكفاءات من الفتيات المتخصصات في تربية الأطفال وفي علم النفس وفي الكمبيوتر وفي اللغة العربية. ولا شك أن كل مكتبة يمكن النظر إليها على أنها مدرسة مصغرة، يتوزع فيها الطلاب والطالبات وفق مجموعات عمرية ويخضعون لبرامج معدة يطلع عليها أولياء الأمور ويختارون ما يرونه مناسبا للابن أو للبنت مع الاسترشاد بمقترحات الاختصاصية في المكتبة.
هذا النوع من المكتبات يعتبر رافداً مناسباً للتعليم الصباحي؛ فهو بقدر مايستثمر وقت الطفل المسائي فإنه يكسبه المهارات التي لا تستطيع تقديمها له مناهج التعليم الرسمية الخاضعة لمقررات ومواعيد وزمن وخطة عامة. فالمكتبة يمكن أن تهتم بمهارات الطفل الفردية وتعززها وترشده إلى تنميتها؛ كما يمكن أن تسهم في دعم برامج المدرسة الصباحية وتقوية الطفل في المهارات التي لا تتاح له فرصة ممارستها في المدرسة.
يضاف إلى ذلك تخفيف العبء على الوالدين في متابعة أطفالهما إن كان لديهما عدد كبير من الأطفال أو كانا مشغولين بأعمال أخرى. علاوة على أن هذه المكتبة تقدم برامج مرسومة بدقة تتلافى فيها عشوائية اختيارات الوالدين أو مقترحاتهما التي تخضع في أغلب الحالات إلى نصائح متوارثة من الآباء أو منقولة من الأصدقاء. وهي نصائح قد تنجح أحيانا ولكنها معرضة في نفس الوقت للخطأ. ولنكن واقعيين؛ فكثير من العوائل السعودية تعاني من مشكلة عدم إدارة وقت أطفالها بالشكل المناسب. فالمرأة مشغولة بأمور خارج أو داخل المنزل والرجل كذلك؛ أو على أقل تقدير فإن الأبوين قد يمضيان أغلب وقتيهما خارج المنزل صباحا ويحتاجان بعضا من الراحة والهدوء في الفترة المسائية. وهذا لن يحصل إن كان الأطفال مليئين بالطاقة والحيوية ولكن يعتريهم الملل ويحاصرهم الفراغ لأن هذه الظروف تجعلهم يقومون بصنع المزيد من الإزعاج والتوتر في المنزل. لذلك ففكرة إلحاقهم ببرنامج تعليمي مسائي يوازن بين المتعة والتعلم تعتبر خير وسيلة لإعطاء الأطفال فرصة لتفريغ هذه الطاقة الكامنة كما تؤمن للأم والأب جوا هادئا ووقتا لاسترجاع النفس. وحينما كنت في الخارج كنت ألاحظ كيف أصبحت المكتبة المركزية وجميع المكتبات الكبيرة والصغيرة المتناثرة في جميع أحياء المدينة تقريبا وكأنها أماكن ترفيه وتثقيف وتعارف ودراسة. فقد اجتمع فيها الجو الأكاديمي الجاد والروح النشطة العفوية المقبلة على الحياة.
من المهم أن نضع أطفالنا في أيدي متخصصين ومتخصصات يسيرون على منهج واضح ويحسنون التخطيط والتعامل مع الأطفال. أعتقد أن وزارة الثقافة والإعلام يمكنها أن تقوم بهذا المشروع الوطني وهي بلاشك قادرة على ذلك بما تملكه من كفاءات وطنية ممثلة في وزيرها الأستاذ إياد مدني ووكيلها لشؤون الثقافة الدكتور عبدالعزيز السبيل. وفي الوقت ذاته يمكن لبعض رجال الأعمال المهتمين بالشأن الثقافي أن يبادروا بافتتاح مثل هذا النوع من المكتبات مقابل رسوم مالية مثلها مثل المدارس الأهلية المنتشرة في كل مكان.
*كاتبة سعودية
المصدر
http://www.alwatan.com.sa/news/write...=1936&Rname=46