[السايح]

إطلالة على مركز مصادر التعلم
ناصر بن صالح الغيلاني – المنطقة الشرقية جنوب



قديماً كانت الأغلبية تعتقد أن المعلم هو محور العملية التعليمية، وأن الكتاب المدرسي هو المصدر الوحيد للمعرفة، ولهذا ساد التلقين كأسلوب وطريقة في التعليم، حيث أن المعلم يحاول طوال الحصة أن يحشو أذهان تلاميذه بأكبر قدر من المعلومات والمعارف، وما على التلميذ المسكين الذي لا حول له ولا قوة إلا أن يسمع ويكرر ويحفظ ويعيد ما يقوله له الأستاذ الذي يعرف كل شيء، لهذا أخذت المقدرة على الفهم والاستيعاب تتضاءل لحساب الذاكرة المطلوب منها أن تتسع وتتسع كيف تحفظ أكبر كمية ممكنة من المعلومات والتواريخ والتعريفات والأرقام والنظريات، دون تحليلها، وإيجاد الروابط المنطقية بينها، وبالتالي تخزن كل هذه المواد النظرية دون تنسيق في مستودع كبير يسمى الذاكرة حتى يوم الامتحان كي تفرغ في ورقة الاجابة وبعدها وبمرور الأيام تتلف هذه المواد المخزنة وتتلاشى ولا يتبقى منها إلا النزر اليسير.



كانت المكتبة المدرسية كما يقال مصدراً للمعرفة ومكاناً للبحث وكان يقال أن على الطالب وعلى المعلم أن يلجأ إلى المكتبة كمركز معين للمنهج المدرسي، وأن المكتبة بها مراجع تساعد الطلبة على البحث العلمي وأنها فسحة للاطلاع والمعرفة، لكن المكتبة لأسباب كثيرة ظل دورها خاملاً، وبدون جدوى وفاعلية إلا فيما ندر، وظل الإقبال عليها سواء من الطالب أو من المعلم قليلاً بل ان البعض قد لا يشعر أصلاً بوجود المكتبة أو بالحاجة إليها، فالمعلم لديه القول الجامع المانع، والذي لا يحتاج الطلبة بعده إلى مكتبة أو مركز أو أية وسيلة معرفية أخرى، بل إن البعض من المعلمين لم يكن ليتقبل أن يأتي تلميذه بحل نجيب مختلف أو معلومة غير التي يعرفها، ففي هذا إنقاص لهيبة المعلم وقدره!.

لكن التطوير ديدن الحياة والتجدد سمة الكون، وعالمنا المعاصر أخذ يتطور بشكل سريع و هائل لم يسبق له مثيل ، شمل مختلف نواحي الحياة، وأصبحنا في عصر تتسارع فيها الاختراعات وتتجدد المعلومات ووسائل الاتصال وتقنيات الحصول على العلوم والمعارف، وأصبح العلم والمعرفة هو لغة العصر الجديد والأداة الوحيدة للدخول في الحضارة العالمية دخولاً فاعلاً ومؤثراً.

ولأن المتغيرات الجديدة تفرض وسائل جديدة للتعاطي معها، لهذا فإن الثورة التكنولوجية والمعرفية والاتصالية التي شهدها العالم فرضت تحديات جديدة على المجتمعات المعاصرة، وبالتالي أصبح التعليم وتطوير التعليم هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه التحديات الجديدة، وبالتالي التحول من الاستهلاك إلى المشاركة والاسهام في انتاج وصناعة الحضارة العالمية ومن هذه المنطلقات والتحديات جاءت خطط وبرامج تطوير التعليم والتي تبنتها وزارة التربية والتعليم بالسلطنة والتي كان أحد ثمارها تطبيق نظام التعليم الأساسي الذي يشتمل على مناهج وبرامج تعليمية مطورة تتناسب وأفضل الاتجاهات والأفكار والنظريات التعليمية التي تم اعتمادها وتجريبها في عدد من البلدان المتقدمة مع مراعاة البيئة والتاريخ والثقافة العمانية العربية والإسلامية.

قد يطول الحديث عن تجربة التعليم الأساسي في السلطنة حين نريد تناولها بشكل متكامل ومن مختلف الجوانب، ولأن هدفنا هو إلقاء الضوء على مراكز مصادر التعلم، فإننا ومن خلال التركيز على مراكز مصادر التعلم سنطل إطلالة على طبيعة وبرامج التعليم المطور التي تم تحديثها وتطبيقها.



مصادر المعرفة

لم يعد أحد يحتكر العلم والمعرفة، والكتاب المدرسي جزء من المنهج الدراسي، والمعلم هو مصدر من مصادر الطالب لتحصيل العلم والمعرفة، هذا يعني عدم مصدر وحيد للتعلم، فللمعرفة روافد عديدة وعلى الطالب أن يفتح حواسه الخمس ويدربها على اكتساب المعلومات والأفكار والمعارف، على الطالب أن يبحث، وأن يستقي من كل الروافد والمصبات، أن يجمع ويحلل البيانات ويستنتج ويتوصل إلى النتائج بنفسه، هذه المفاهيم خطيرة جداً إنها تغيير جذري في العملية التعليمية وليس تغييراً شكلياً كما يتوهم البعض، بالتالي فإنها حين تطبق بشكل متكامل وتصبح تفاعلاً يومياً بين كافة عناصر وأدوات العملية التعليمية تغدو نقلة نوعية كبيرة في تطوير التعليم وتحديثه ومن هنا يأتي تواجد "مركز مصادر التعلم" في كل مدارس التعليم الأساسي بالسلطنة باعتباره أحد الأركان الأساسية في النظام التعليمي المطور. فما هي هذه المراكز؟ وما الذي تحتوي عليه؟.

مركز مصادر التعلم والمكتبة الرئيسية

مثلما أن التعليم الأساسي هو نظام تعليمي مطور عن التعليم الابتدائي و الاعدادي والثانوي، كذلك يمكن أن نقول أن مركز مصادر التعلم هو شكل حديث للمكتبة المدرسية لكن الفارق هو أن المكتبة تقتصر على مصدر واحد للمعرفة وهو الكتاب أو المادة المطبوعة، بينما مركز مصادر التعلم هو مكان أحدث من حيث مبناه وتجهيزاته ومواده، وتتوافر فيه مصادر المعرفة المختلفة (مطبوعات، سمعية، بصرية، الكترونية..) أي أنها كما يتضح من التسمية بها مصادر عديدة للمعرفة وليس مصدراً واحداً، كما أن هناك فارقاَ جوهري وهو ان المكتبة رغم تواجدها قد تغدو هامشية أحياناً أو غير مستغلة بالشكل الأمثل بينما نظام التعليم الأساسي ومناهجه وبرامجه قد تم وضعها بحيث تكون مراكز مصادر التعلم جزءاً أساسياً وركناً رئيسياً من هذه المناهج والبرامج بحيث أنه لا يمكن تطبيقها وتنفيذها بالشكل الأمثل إلا من خلال مركز مصادر التعلم.



زيارة استطلاعية

ينقسم مركز مصادر التعلم إلى قسمين:

1- قسم الانشطة:

أ‌- المكتبة:

وتشتمل على كتب في مجالات عديدة مثل: الدين- العلوم الاجتماعية- اللغات- العلوم البحتة- التكنولوجيا- الفنون الجميلة- الآداب- الجغرافيا- التاريخ- التراجم- الأعمال العامة.

إضافة إلى ذلك تشتمل المكتبة على :

- كتب متنوعة باللغة الانجليزية

- كتب عامة ومتخصصة ومتنوعة يستفيد منها الطالب والمعلم وأعضء الهيئة الادارية بالمدرسة.

ب- ألعاب تعليمية:

لدراسة شكل أو لون أو حرف أو أشكال هندسية تهدف إلى تبسيط المعلومات وتيسير استيعابها وتنيمة القدرات الذهنية للطلبة وربط المعلومة بالشكل واللون.

ج- مسرح العرائس:

به مجسمات لشخصيات انسانية وحيوانية ونباتية ويتم من خلالها تنفيذ قصص مسرحة تخدم المنهج المدرسي وتيسر الفهم وترسخ الفكرة وتنمي الخيال وتخلق في نفس الطالب المتعة والتحقق الفائدة.

د- ركن السمعيات:

ويحتوي على أجهزة سمعية وأشرطة كاسيت تحتوي على برامج وقصص وأناشيد حيث يجلس الطالب ويستمع عبر هذه الاجهزة إلى مواد مختلفة تدعم المنهج المدرسي وتعزز الفهم والاستيعاب بحيث ان الطالب يتلقى المادة المطبوعة ثم يتلقاها مسموعة وقد يستمع إليها ويتابع قراءتها في المادة المطبوعة أمامه.

هـ- ركن البصريات أو المرئيات:

ويشتمل على جهاز تلفاز رئيسي وجهاز فيديو ويتم عبره عرض تجارب علمية ورحلات وحكايات تبسط المادة التعليمية وبرامج تعليمية تخدم المنهج الدراسي.



2- قسم الحاسب الآلي:

ويحتوي على:

أجهزة الحاسب الآلي

شاشات العرض للبرامج التعليمية المختلفة
ج- أجهزة ممغنطة وتحتوي على: معلومات- ألعاب- دروس اجتماعية- فنون- جغرافيا- رياضيات- حكايات.



فلسفة التعليم الأساسي

يهدف مركز مصادر التعلم إلى تحقيق فلسفة التعليم الأساسي القائمة على تحويل المواد المطبوعة والمناهج إلى مواد مرئية ومسموعة ومواد ملموسة عبر التشكيل الهندسي للحروف والأشكال بحيث أن الطالب يستخدم أكثر من حاسة من حواسه الخمس في الحصول على المعلومة مما يرسخها في ذهنه ويوسع ويعمق عملية استيعابه وفهمه إضافة إلى تعويد الطالب على استخدام التقنيات الحديثة ليكون أقرب للغة العصر ووسائله الحديثه إضافة إلى تنمية الخيال وحب الاطلاع والبحث عن المعرفة والابداع والابتكار.

ويمكن تحديد أهداف المركز بالتالي:

- خدمة العملية التعليمية والتعلمية.

- عدم التركيز على فكرة الكتاب المقرر الذي يقدم وجهة نظر واحدة ويتيح استخدام مصادر متنوعة للمعرفة.

- إتاحة الفرصة للطالب للتعرف على الموضوع الذي يدرسه بشكل شمولي.

- الاعتماد على التوجه الذاتي للطالب في اختيار المصادر والمشاركة بمختلف الأنشطة .

- المساهمة في التنمية المهنية للمعلمين وثقافتهم.



كيف يستفيد المعلم من المركز؟

مركز مصادر التعلم يخدم جميع المناهج والمواد الدراسية حيث تقوم المعلمة المسؤولة عن مركز مصادر التعلم بالتعاون مع المعلمة بالتحضير للدرس باستخدام المواد السمعية والبصرية ويتم إعطاء المعلومات بأكثر من طريقة وللمعلم الحرية في تنفيذ الدرس واستخدام الوسائل المعينة والمناسبة، ويمكن مثلاً تنفيذ فكرة المجموعات في التدريس حيث يتم فيها توزيع الطلبة إلى مجموعات متفاوتة وتمنح المعلمة اهتمامها لكافة المجموعات وتقوم كل مجموعة من هذه المجموعات بتنفيذ نشاط متنوع فالبعض توزع عليهم صور مختلفة ويقومون بعدها باستخلاص المعلومات من هذه الصور، والبعض يتلقى المعلومات من المواد السمعية والآخر من المواد المرئية والبعض الآخر يكتسب المعلومات والمهارات من خلال الاشكال ومحاولة تركيبها سواء أرقام أو حروف والبعض من خلال مواد مطبوعة قصصية أو معلومات عامة والبعض من خلال الحاسب الآلي أو شاشات العرض وبحيث تتكامل كل هذه الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية في تنفيذ الدرس وتحقيق أهداف المنهج الدراسي.

http://www.moe.gov.om/moe/eduinfo/2/6thissu/10.htm