[الاء المهلهل]

الظروف التي وقعت فيها معجزة الاسراء ظروف بالغة القسوة شديدة الحرج ضيقة المسالك وعرة المسارب ، فقد اشتد الاذى برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه فعدب المستضعفون الدين قالوا ربنا الله ونكل بهم وحوصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه في شعب بني طالب حصاراً شديدا حتى بلغ بهم الجهد كل مبلغ واستمرات المقاطعة ثلاث سنين كاملة الى ان اكلت الارضة صحيفة المقاطعة ، فلم تبق الا على كلمة باسمك اللهم ، وخرج الرسول من المقاطعة ثابث الجنان راسخ العقيدة ، لم يتنازل ولم يهادن ، وابتلاه الله بفقد السيدة خديجة الكبرى ام المؤمنين رضي الله عنها ، وبفقد عمه ابي طالب ، فاطلق المؤرخون على عام وفاتهما عام الحزن ، فكان الاثنين يشدان من ازره ويدفعان عنه الاذى ويبذلان جهدهما لنصرته وخرج من قريش الي الطائف يعرض دعوته إلا أن الطائف اغروا عبيدهم وسفهاءهم فقدفوا رسول الله بالحجارة حتى تخضبت قدماه بالدم ،فخرج من الطائف كسيراً حزيناً يلوذ بالله وليستريح في حديقة عتبة ابن ربيعة واخد يدعو " اللهم اني اليك اشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس انت رب المستضعفين وانت ربي الى من تكلني الى قريب ملكته امري او بعيد يتجهمني ادا لم يكن بك علي غضب فلا ابالي اعود بوجهك الدي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة بان يحل بي غضبك او ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك " فسمعه عداس فاخد يقبل يديه وقدميه فساله نبي الله من اي البلاد انت فدكر انه من ننوى ، فقال الله رسول الله من بلد اخي يونس ابن متة ، وقدم له قطفاً من عنب ، ثم عاد رسول الله الى مكة ، ويشعره الله بانه لن يتخلى عنه ، فلو تخلت عليه الدنيا باجمعها فان الله ناصره ومؤيده ومأزره ، وانما هدا الامر ليبلغن مادام الليل والنهار بعز عزيز او بدل دليل ، بعزبز يعز به الاسلام وبدليل يدل به الكفر ، فكانت الرحلة في وقت محسوب مؤقت بتوقيت الله عز وجل ، ومن خلال هده الرحلة اعده الله لمسؤليات جسام ، ألم يرد الله في هده الرحلة بان قوم يحصدون ما زرعوا ، ثم يرون الزرع كانه لم يمس فيحصدونه ثانية ، فعندما سأل جبريل عليه السلام عن دلك فقال له هؤلاء المجاهدون ، لقد كانت رحله الاسراء رحلة الجهاد والمثابرة والعمل والمصابرة ، وكانت اداناً بان هدا الدين سيبلغ مبلغ عضيما ، بنصرة الله لهم وبجهاد المسلمين وبدلهم لارواحهم وانفسهم واموالهم فالله اشترى منهم اموالاً رزقها وانفساً خلقها ، واقسم ليمنحنهم احدي الحسنيين ، فمن خلال رحلة الاسراء تتجدر عالمية الاسلام وتترخص قواعده يقام بنيانه .

في هذه الرحلة تتنزل التكاليف فتكون الصلاة عمود الاسلام واساسه الراسخ ، هي دعوة لمناجاة الله خمس مرات في اليوم والليله ، فيها ثلاثة معارج " القيام والركوع والسجود " فيها تلاوة لكتاب الله تفتتح بالفاتحة ثم بما يشاء المصلي من ايات يقرأها متدبراً متأملاً ، وفي صلاته تعرج روحه تمجد وتسبح وهي بين تكبير وتسميع وتسبيح ودعاء ، مناجاة المخلوق لخالقه ، يتحرر فيها من كل شهواته ، فيعيش لحظة مساندة وموادعة يسلم منه كل شي حتى الدرات لا يمسها ولا يسقطها من جسده لكي لا يخل بخشوعه ، الصلاة هي منة الخالق ومنحته لمخلوقيه فادا ما اتقنت فانها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ان رحلة الاسراء هي رحلة ايمانية روحية حدثت بالروح والجسد تجلت فيها عبودية محمداً لله عز وجل ، هي رحلة اراد الله ان يدلل فيها نبيه ، دلال الحبيب لحبيبه ، فيمنحه قرب المنزلة وعلو المكانة ورفعة القدر ، وبقدر ما فيها من تكاليف تتمثل في الجهاد والصلاة وتحفزه على الصبر والمصابرة ففيها ايضاً تأصيل الشر وتثبيت الايمان ورسوخ العقيدة ، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعل الاسراء مصدر إلهام للمسلمين وعز للمؤمنين ، وقوة للمجاهدين وذل للكافرين ومحق للمتجبرين ، كما نسأل الله ان يطهر مسرى نبينا من دنس الغاصبين وكيد المحتلين وان يجعلنا عباده اولي بأس شديد نجوس خلال الديار ، فندمر العدو تدميرا لنرميه ناراً مستطيرا فتتحقق عزة الاسلام وترتفع راية الحق انه سميع مجيب ، وصلى الله علي سيدنا محمد النعمة المسداة والرحمة المهداة والسراج المنير امام المجاهدين وعلى آل بيته وعلى صحابته المجاهدين الابرار البررة الاخيار المسبحين بالاسحار رهبان الليل وفرسان النهار واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ... آمين .