[ابراهيم محمد الفيومي]

الفجوة الرقمية .. وحرية المعلومات * د. ابراهيم بدران
الفجوة الرقمية ببساطة ، هي ذلك الفارق بين فريقين ، مثل الدول الصناعية والدول النامية ، من حيث انتشار الحاسوب والانترنت والهاتف الجوال والمعلومات الممكن التعامل معها عبر الشبكات الالكترونية. وهذه الفجوة هي ليست فقط بين الدول الصناعية والدول النامية ، وانما هي كذلك بين الريف والحضر في ذات الدولة ، والمدن والقرى ، والرجل والمرأة ، والشمال والجنوب ، والاغنياء والفقراء ، والمتعلمين وغير المتعلمين ، وغير ذلك. ويلعب مستوى التقدم الاقتصادي الاجتماعي والوعي بأهمية المعلومات الرقمية وبرامج الدول وسياساتها في نشر المعلومات وتأصيل المعرفة دوراً هاماً في حجم هذه الفجوة وفي نوعيتها وخطورتها.

غير ان عدداً من المسائل الخاصة بالمعلومات الرقمية ينبغي النظر فيها ، حتى تكون الجهود المبذولة لتقليص الفجوة الرقمية جهوداً مثمرة في الاتجاه الصحيح ، ألا وهو التقدم الاقتصادي الاجتماعي ، والرقي الانساني. وهذه المسائل هي:

اولاً: حرية الوصول إلى المعلومات.

ثانياً: نوعية المعلومات وقيمتها الانسانية او العلمية.

ثالثاً: مدى مساهمة هذه العلومات في تلبية احتياجات المجتمع المحلي من اجل النمو والازدهار ، سواء كان هذا المجتمع قرية نائية ، او مصنعاً او دائرة حكومية ، او مركز ابحاث او مؤسسة جامعية. رابعاً: القوانين والانظمة التي تحكم العلاقات والاجراءات الناشئة عن التعامل الاكتروني عبر الشبكات الالكترونية ، سواء كان ذلك حقوق الملكية الفكرية او تجارة الكترونية او تعليمات صحية ، ناهيك عن الجرائم الإلكترونية.

خامساً: اللغة التي يتم فيها تداول المعلومات الرقمية ، او ما يسمى المحتوى الرقمي ، باعتبار اللغة في النهاية هي اداة التواصل المجتمعي في الفكر والعلم والتكنولوجيا والانتاج والثقافة وتفاصيل الحياة اليومية.

واذا تناولنا جانبين فقط هما اللغة والحرية ، نلاحظ ان المواد والمعلومات الرقمية الموضوعة باللغة العربية هي ضئيلة للغاية ، ولا يتجاوز الصالح منها للتداول (0,3%) مما هو موجود على الشبكات الكترونية ، مقارنة بحجم السكان العرب والبالغ (4%) من سكان العالم. وهذا يعني ان "المورد" او"المنهل" العلمي والفكري والثقافي للاجيال العربية القادمة ، سوف يميل تدريجياً إلى المصادر غير العربية ، بكل ما يعني ذلك من اشكالات ثقافية ومجتمعية معقدة ، خاصة وان شرائح كثيرة من المجتمع غير قادرة على التعامل مع المعلومات الرقمية بلغات اجنبية. وليس بالضرورة ان تفعل ذلك. والجانب الثاني حرية الوصول إلى المعلومات. وهذه حرية شائكة بالغة التعقيد ، لان طالب المعلومات يريد حرية الوصول إليه ، وفي عين الوقت وبسبب الصفة الإقتحامية له ، فإن المتضرر من هذه المعلومات يريد اتقاء شرها. والمشكلة هنا ان الشبكات الكترونية (الانترنت) تمثل بحراً هائلاً ، يختلط فيه كل شيء بأي شيء. ابتداءً من المعلومات الموجهة ، والاعلامية والتجارية ومروراً بالعلمية والتكنولوجية ، وانتهاءً بالمعلومات الاباحية وغير الاخلاقية وغير الانسانية.

والسؤال هو: هل تترك المجتمعات نفسها تتعرض لكل انواع المواد اللااخلاقية واللاانسانية ، تحت حجة حرية المعلومات؟ او تحت الافتراض انه ليس هناك من وسائل تكنولوجية قاطعة مانعة يمكن استخدامها لايقاف هذا النوع من المواد؟. وانه اذا تم اقفال موقع فسوف يظهر موقع آخر؟ وما على المجتمعات إلا ان تستسلم لجبروت هذه التكنولوجيا الرقمية ، وتقبلها على علاتها بغثها وسمينها ، وعجرها وبجرها ، وصالحها وطالحها.

ان مثل هذا القول لا يستند إلى منطق علمي متماسك ، لانه بالإمكان تكنولوجياً وقانونياً جعل الوصول إلى المواقع اللااخلاقية واللاانسانية اكثر صعوبة. وهذا من شأنه تخفيض التعرض لاضراراها إلى 50%. اما الاذكياء من الداخلين على شبكات الانترنت ، والذين يستطيعون ان يصلوا إلى اي موقع ، والموقع المجاور ، والموقع المؤازر ، فهؤلاء قد لا يتجاوزون (5%) من المستعملين للشبكات الالكترونية. ولا بأس من ذلك ابداً.

وفي الوقت الذي نؤكد الاحترام الكامل للحرية المسؤولة بكل اشكالها ومواضيعها ، إلا ان ذلك يستدعي من المجموعة العربية ، بمبادرة من الجامعة العربية ، سرعة التحرك في هذا الاتجاه:

اولاً: الاستثمار العلمي والتكنولوجي والبشري في توسيع وتنويع وزيادة المحتوى الرقمي العربي ، اي المعلومات الرقمية باللغة العربية.

ثانياً: التوافق على "مدونة سلوك اخلاقية" فيما يتعلق بالمعلومات الكترونية الرقمية والتعامل معها. ثالثاً: تكليف فريق عربي فني متخصص تطوير الادوات التكنولوجية التي من شأنها ان تجعل السيطرة على حجب المواقع اللااخلاقية واللاانسانية ممكناً. رابعاً: الدعوى إلى مؤتمر دولي للبحث في هذه الاشكاليات وخاصة في جوانبها الفنية والقانونية.

صحيح ان النجاح التكنولوجي في منع المواقع الاباحية و اللاخلاقية واللاانسانية قد يدفع الدول غيرا لديموقراطية (وما اكثرها في النصف الجنوبي من الكرة الارضية) إلى توسيع المنع واساءة استعماله ، ليشمل السياسة والفن والثقافة والفكر. ولكن خطورة المسألة وخاصة على مدى السنوات القادمة لا تسمح بان يترك الموضوع دون مبادرة من نوع ما.

إن المستقبل الإنساني ، في خضم المعلومات الرقمية ، اصبح اكثرسهولة من الناحية العملية ، ولكنه أكثر تعقيدا من الناحية الموضوعية والمجتمعية. ان العمل المؤسسي المنظم على تقليص الفجوة الرقمية ، من شأنه ان يساعد الأقطار العربية على تعظيم المنافع ومضاءلة المخاطر.


الرابط
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5COpinionAndNotes%5C2009%5C06%5 COpinionAndNotes_issue623_day22_id152574.htm