[ابراهيم محمد الفيومي]

الاتصال والمعلوماتية واقتصاد المعرفة هل للعرب نصيب؟
ديلمي مسعود

2009/08/03

تقوم كل العلوم على الاتصال، ففي البيولوجيا تتصل الخلايا بين بعضها البعض، وفي الفيزياء تتشابك الجزيئات الأساسية للذرة، وفي الكيمياء يحدث رد الفعل للمكونات بعد اتصالها في ما بينها، وفي الفلك يحصل التمازج مابين الأجسام الصلبة والكون، وفي الطبيعة يقع التداخل بين الأحياء والأماكن، وفي علم الاجتماع ترتسم العلاقة بين الأفراد والمؤسسات الاجتماعية... وفي المجتمع المعاصر، الذي تتداخل فيه مصالح الأفراد والمؤسسات، تلعب تقنيات الاتصال والمعلوماتية دورا أساسيا في الحياة اليومية للناس، وفي المجال التربوي، وفي الاقتصاد، وأيضا في الحياة السياسية والثقافية.
ويتميز عالم اليوم بكثافة المعلومات والاتصال السريع، واللذان هما رمزا التقدم والحداثة، مما دفع الكثير من الناس إلى الاعتقاد أن الانترنيت والهواتف المحمولة والشبكات الإعلامية، وقبلهم الإذاعة والتلفزيون، جعلوا من العالم قرية، بمعنى أن الناس والمجتمعات تعرف بعضها البعض. لكن الواقع شيء آخر، إذ كل ما كان الاتصال كثيفا كل ما حدث عدم الاتصال، بأنْ يظهر الآخر مختلفا عني، فالتقارب الجسمي لا يعني التقارب الثقافي. فمن الخطأ تحجيم الاتصال إلى إطار تقني محض. وتوجد فلسفتان للاتصال، الأولى تفضل التقنية ومنها الربح والاقتصاد، والثانية تفضل الإنسان لتفضي في النهاية إلى السياسة، معناه للتعايش، وبالتالي يكون الاتصال دائماً مع الحرية والعدالة والديمقراطية.
ويعمل العلميون الذين ينتجون المعرفة، التي تغير من واقع الحال البائس إلى إحداث الرفاهية، على تسويق منتجاتهم بطريقة تسهل استقبالها من قبل غير أهل الاختصاص، وبالتالي يريدون أن تكون هذه المعرفة في متناول الجميع. ومن هنا تطرح قضية الوصول إلى مصادر إنتاج المعطيات المعلومات- وصناعة المعرفة، لأنه إخبار الناس لا يعني إعلامهم.
بدأت التقنيات الجديدة للاتصال والمعلوماتية، أي شبكة الانترنيت، إحداث ثورة في عالم التربية، حيث سمحت للناس بالإطلاع عما يفعل في الخارج، إذ فتحت مجالا واسعاً أمام الباحثين للتعلم والوصول إلى مصادر المعلومات في أمريكا وأوروبا وفي مناطق أخرى من العالم، وبمختلف اللغات، لذا رأى البعض أنها تماثل بروز المطبعة في عصر النهضة مما أدى إلى نشر ثقافة الكتاب، وأيضا مثل ما أحدث المجهر ثورة بيولوجية قضت على الفيروسات القاتلة. فالطالب الذي يبحث عن الوثائق في إطار أبحاثه يتحصل في ثوان على الآلاف من العناوين. إذن تسمح الانترنت بتوسيع القدرة على الاكتشاف؛ كما أصبحت الدروس بهذه الوسيلة أكثر حيوية، بعدما دخلت الشبكة الرقمية والفيديو كوسائل مساعدة للجانب البيداغوجي، إذْ توصل بين الرؤية والسمع مما يسمح بالتخزين المعلوماتي، وتصبح نسبة التذكر عالية؛ لقد أصبحنا نتعلم الكثير من الأشياء وباستمرار وبأقل تكلفة. وأصبحت الدروس والمحاضرات يتلقاها المستمع والمشاهد دون حضوره الجسماني، مثل تتبع دروس الجامعة الافتراضية التي أحدثت ثورة في التعليم، حيث نجد أكبر الجامعات الأمريكية مثل معهد مساشوست للتكنولوجيا، أو معهد بروكلي وضعا جميع دروسهما مجاناً على شبكة الانترنيت. وتطورت هذه الجامعات الافتراضية إلى أن أصبحت تعطي شهادات؛ ورغم أن الكثير كانوا يرتابون فيها إلا أنها فرضت نفسها بجدية دروسها ونوعية الشهادات التي تقدمها. وتعتبر هذه التقنية فرصة لتربية الأعداد الغفيرة التي لا تستوعبها الجامعات العادية، خاصة في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين والهند لأن سكانهما يتوزعون على مناطق شاسعة، بالإضافة الى أن الكثير من الطلبة يعملون بالموازاة مع مواصلة الدراسة؛ إذن الجامعة الافتراضية تحل جزءاً من المشكل. وتسمح أيضا بالتقاء مثمر دون خطر لشريحة علمية ومثقفة، وفق تنظيم دقيق ومحدد. فهي ليست مثل الشبكات الاجتماعية الافتراضية المتعددة المفتوحة للجميع مثل 'الفيسبوك'، والتي تشكل خطرا على الأطفال من النواحي الفكرية والأخلاقية. وكذلك خطر سرقة المعلومات الشخصية.
كذلك تسمح الشاشات العالية التحديد بتكثيف الصورة الواقعية. ففي الميدان الطبي تستطيع مجموعة من الطلبة متابعة تفاصيل عملية جراحية عن قرب أكثر مما يكونوا مع الأستاذ في غرفة العمليات، وبالتالي تعطيهم هذه الشاشة، عن طريق البعد الثالث، رؤية مفصلة لما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، فيؤدي هذا إلى فهم أكبر وضمان نجاح أعم.
ويؤسس اقتصاد المعرفة الجديد على الاتصال والمعلوماتية بالاستثمار في التعليم بتلقين الشباب قيم المعرفة والحرية، وتكوين الأفراد جيدا، وتسهيل الاتصال السريع بينهم وبين المؤسسات. وإعطائهم الوسائل التي تساعدهم على تصور مستقبلهم. يقول شورغا بروش shorga brosh رئيس جمعية الصناعيين الإسرائيليين 'كنزنا هو أدمغتنا'. وهذا الاهتمام بالعلماء جعل إسرائيل تتبوأ الريادة في عدة ميادين، فتحتل تيفا الشركة الصيدلانية الإسرائيلية الرئيسية المرتبة الأولى عالميا.كما تعتبر الدولة العبرية الأولى عالميا في تقنية الماء. وقريبا ستقبل كعضو في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وستصبح عملتها الشيكل قابلة للصرف في الخارج.
وتعمل دولة مثل فرنسا القوة الخامسة اقتصاديًا في العالم للوصول إلى المستوى الياباني أو الكوري الجنوبي أو الأمريكي في ميدان المعلوماتية، وذلك بإتباع استراتيجيات عملية واضحة كتشجيع الشركات العاملة في تقنية الحاسوب وخلق تنافس بينها لسد الهوة الرقمية مع تلك الدول وتدارك تأخرها عن مجتمعات المعرفة. وهذه الإستراتيجية واقعية تم تطبيقها في الدول الاسكندينافية، وفي ايرلندا، وفي استراليا، ومؤخراً في اسبانيا. وتحتل فنلندا المرتــــبة الأولى أوروبيا من حيث الميزانية الموجهة للبحث إذ وصلت إلى 3.45' من الناتج الداخلي الخام سنة 2006؛ لقد اتجهت نحو التكنولوجيات الجديدة بعد ما كان الخشب هو المصدر الوحيد للاقتصاد الفنلندي. ولقد كثفت الدولة من الاستثمار في البحث والتطوير الصناعي بعد السبعينيات مما جعلها الدولة التنافسية الأولى في العالم، وسر نجاحها هو التعاون بين القطاعين العام والخاص.
وهي تتجه اليوم إلى البيوتكنولوجيا، وصناعة الورق للحفاظ على البيئة. وتصل نسبة الاقتصاد الرقمي من الاقتصاد الكلي إلى 18' بفنلندا، ونفس النسبة بكوريا الجنوبية، وإلى 12' بأمريكا، بينما لا يتجاوز في فرنسا 6'، لذا تحاول حكومتها أن ترفع هذه النسبة إلى 12' سنة 2012 وذلك بترقيم محتويات الصحافة والوسائل السمعية البصرية، والموسيقى قديمها وجديدها، وتسهيل قضاء المصالح الإدارية عن طريق الإدارة الالكترونية (الانترنت: الشبكة الداخلية الخاصة بالوزارات ومصالحها) للحد من تضييع الوقت في الإدارات، والكف عن تبذير الورق. واذا كان هذا هو الحال في بعض الدول الغربية فكيف هو الوضع في وطننا العربي؟
إنّ التحكم في تكنولوجيات الإعلام والاتصال هو التحدي الذي يطرح على جميع العرب اليوم لأنه يتحكم في الفروع الأخرى من الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان العرب يملكون الأموال الطائلة إلا أن الجمهور العربي مازال بعيداً عن الدخول في عصر الرقمية بغض النظر عن التفاوت الموجود بين بعض الدول مثل دول الخليج حيث يصل الناتج الداخلي الخام الفردي في قطر مثلا إلى 70745 دولاراً (سنة 2007) والذي هو من أعلى النسب في العالم، عكس الكثير من الدول العربية الأخرى التي يقل فيها الدخل الفردي كثيرا. فالتعليم المتوسط والثانوي يقذف بعشرات الآلاف إلى الشارع دون تأهيل علمي حقيقي، وأصبحت الجامعات مصنعا لتخريج البطالين، ومراكز التكوين المهني لا علاقة لها بوظائف اقتصاد عالم اليوم... لذا على العرب وضع إستراتيجية للنهوض يبدأ بإصلاح قطاع التربية والتعليم بالاعتماد على تكنولوجية المعلومات لكي يصبح الأطفال والشباب قادرين على مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين من بينها تحديات المعرفة والشغل. فمن واجب وزارة التربية الوطنية في البلاد العربية أن تدخل بكثافة المعلوماتية للبرامج والامتحانات بغية رفع المستوى، ومتابعة سيرة التلاميذ والطلاب. ولا يجب أن يكون استعمال المعلوماتية هدف ثانوي مقابل تعلم القراءة والكتابة بل وسيلة في صالح التحصيل عموما؛ ويستدعي هذا تطور المناهج البداغوجية، وتكوين المؤطرين والذي يصاحبه استثمار واسع في الأجهزة، والخدمات. كما يجب محاربة المواقع ذات المحتويات السيئة كالمواقع الجنسية أو التي تنشر دعاوى العنصرية والتطرف الديني، والمواقع التي تقوم بالقرصنة. و ينبغي أيضا التركيز على نشر الوعي بحفظ وحماية المعلومات الخاصة بالأفراد والمؤسسات.
إن اقتصاد المعرفة هو الذي ينتج التطور، فالبحث والتنمية هما اللذان يضمنان وظائف الغد؛ والنمو الاقتصادي المنتظر مرهون بالتحكم في المعلوماتية، وإذا لم يكن هناك تدخل واسع من قبل الدولة، تزداد الهوة اتساعاً ويكون الثمن غالياً بتعقد أزمة التربية والتكوين، ولن يكون هناك مستوى تنافسي، ولا تطور، ولا حتى سلم اجتماعي.

الرابط
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2009\08\08-03\02qpt15.htm&storytitle=ffالاتصال والمعلوماتية واقتصاد المعرفة هل للعرب نصيب؟ fff&storytitleb=ديلمي مسعود&storytitlec=

[حمزة العمايرة]

شكراُ اخ ابراهيم وجزاك الله خير

[ابراهيم محمد الفيومي]

شكرا لمرورك اخي الكريم
تقبل تحياتي

[عمر منصور البزايعة]

شكرا يا اخ ابراهيم

[زينارود]

شكرا اخ ابراهيم

[ابراهيم محمد الفيومي]

شكرا لمرورك اختي الفاضلة
تقبلي تحياتي